وعاظ السلاطين وفتاوى الجهاد
.
بسم الله الرحمن الرحيم :
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُوْلوْنَ إِلاً كَذِباً. – الكهف -5
الجهاد كلمة عظيمة وكبيرة فرضها الإسلام على أتباعه حين تتعرض بلدانهم للغزو من قبل الأعداء لإذلالهم، والتحكم في مقدراتهم وفق ما تشتهي أنفسهم . وقد أنزل الله في محكم كتابه العزيز آيات كثيرة تحث على الجهاد والقتال ضد الأعداء على أسس الحق والعدل بعيدا عن كل ظلم وزيغ وهوى وشطط. وفي هذا حديث طويل وأحكام وشروط  واضحة في كتاب الله وثبتها رسول الإنسانية الأعظم محمد ص. وقد قال الله في محكم كتابه العزيز :
بسم الله الرحمن الرحيم :
( لكِنِ الرًسُولُ وآلًذِيْنَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدوا بِاَمْوالِهِمْ وَاَنْفُسِهِمْ وَاْوْلَئِكَ لَهُمُ آلْخَيْراتِ وَاْوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. ) التوبة -88.
وقال عز من قائل في آية أخرى :
بسم الله الرحمن الرحيم :
(إِنًما المُؤْمِنونَ الًذيْنَ آمَنوا باللًهِ  وَرَسُوْلِهِ ثُمً لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِاَمْوالِهمْ  وَاَنْفُسِهِمْ في سَبيْلِ اللٌهِ أُولئِكَ هُمُ الصًادِقُوْنَ. ) الحجرات-15
فالله جل وعلا يكرم المجاهدين الحقيقيين الصادقين الذين قاتلوا وقتلوا في سبيل الله لاتلومهم في الحق لومة لائم  ضد من  بغوا عليهم  جاءوا ليقهروهم في عقر دارهم ، ويدمرون أوطانهم. ذودا عن الوطن والدين والعرض حيث جعل الله  لهم المكانة العليا ، والمنزلة السامية وهم أحياء يرزقون عند الله إذا قتلهم العدو الغازي:
بسم الله الرحمن الرحيم:
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . – آل عمران 169    
وقد وصف الإمام علي بن أبي طالب ع قائلا :  
( أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فتحه الله لخاصة أوليائه ، وهو لباس التقوى ، ودرع الله الحصينة ، وجُنًتُهُ الوثيقة ، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل ، وشمله البلاء . ) نهج البلاغة ص64-تحقيق الدكتور صبحي الصالح .)
والموت في سبيل الله والوطن والعرض أهون على المرء المسلم من  البقاء تحت رحمة الأعداء ذليلا مهانا. وهناك جهاد النفس الذي سماه الرسول الأعظم ب  (الجهاد الأكبر ) وهو كبح جماح النفس عن شهواتها ورغباتها وأهواءها  المحرمة الخارجة عن طاعة الله ورسوله الكريم ص. وروي عن رسول الله ص إنه قال  :
( للجنة باب يقال له باب المجاهدين ، يدخلون منه والملائكة ترحب بهم   وأهل الجمع ينظرون إليهم بما أكرمهم الله وأعظم الجهاد هو جهاد النفس لأنها أمارة بالسوء  راغبة بالشر ميالة إلى الشهوات متثاقلة بالخيرات . كثيرة الآمال . ناسية الأهوال . محبة للرئاسة . وطالبة للراحة . )    قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم :
( وَما أُبَرٍئُ نَفْسِي  إ نً النًفْسَ لَأَمًارَةٌ بِالسٌوْءِ إِلاّ مارَحِمَ رَبٍي  إِنً رَبٍيَ غَفُورٌ رَحِيْمٌ . ) يوسف-53
وقال ص : ( أفضل أنواع الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر . )
أما وعاظ  السلاطين المنحرفين عن جادة الحق والصواب فقد حرفوا كل مفهوم طاهر في الإسلام وحولوه إلى غاية تهدف أساسا لخدمة أهواءهم  ونوازعهم الطائفية الحاقدة لإرضاء حكامهم وليس لإرضاء الله ورسوله ص. هؤلاء الوعاظ الذين صارت هذه الكلمة الكبيرة (الجهاد) لعق على ألسنتهم يسخرونها لأغراض طائفية وسياسية مكشوفة الهدف والغاية في هذا الزمن دون وازع من ضمير أو محاسبة للنفس  أو رادع  ديني . وما يترتب عليها من سفك للدماء وهدر للحقوق وانتهاك للحرمات .  أسوة بسلفهم الذين عاشوا في قصور السلاطين وتحولوا إلى خدم أذلاء  يملي عليهم السلطان ماتشتهي نفسه فيقولون له سمعا وطاعة. وإذا رأوه راكبا بغلة فيقولوا له ( ماأجمل هذا الأسد !!!). فهم يتغاضون تماما عما يرتكب سلاطينهم من جرائم بحق الأبرياء ، وما تحوي سجونهم المغلقة الرهيبة من ظلامات صارخة. لكنهم يتظاهرون بتقوى الله بألسنتهم فقط فشوهوا كل مايتعلق بالدين الإسلامي من قيم أخلاقية وإنسانية كالرحمة والمحبة وقول المعروف لسانا وكيانا . وحولوا مفهوم الجهاد إلى دعوات تحريضة  حاقدة لئيمة لبث النعرات الطائفية   الضلالية التي أبعد ماتكون عن الجهاد الحقيقي النابع من الشريعة الإسلامية السمحاء. وأخذوا يؤججون من خلال هذا التشويه نار القتال بين المسلمين  من منابر السوء التي تربعوا عليها وهيأها لهم سلاطينهم   وتغاضوا في فتاواهم وخطبهم الضلالية الصاخبة عن أعداء الأمة  الحقيقيين بتحويل بلاد المسلمين إلى دويلات طائفية هزيلة يعادي بعضها بعضا .  بعد أن تنطلي فتاوى هؤلاء الوعاظ  على عقول الجهلة  لينفذوها حروبا دموية على أرض الواقع ، ومن خلال هذا العنف الذي يمارسونه ضد الجنس البشري يفقدون آدميتهم ويتحولوا إلى وحوش كاسرة لاتعرف الرحمة . حيث لم يكتف القاتل المخدوع بهذه الدعوات التي هي أبشع وأمر وأدهى من الدعوات الجاهلية بالقتل الشنيع فيصب جام غضبه على الجثة الضحية . ويعمد إلى التمثيل بها أو حرقها ورميها والتفاخر بذلك وكأنه حقق فتحا مبينا كما يحدث اليوم في سوريا والعراق واليمن وليبيا ونيجريا وغيرها من الدول.وكل يوم يسمع العالم بتأسيس إمارة جديدة يتباهى بها هؤلاء العتاة. وكل إمارة تلعن أختها فيحدث التناحر بينها بقوة السلاح ويتم تدمير البشر والحجر فيها.
إن  الجهاد الحقيقي يتناقض تماما مع هذه الجرائم البشعة الرهيبة التي تأباها النفس البشرية السوية، ويستهجنها الإسلام أشد الإستهجان ، ويجعل مرتكبها آثما يستحق القِصاص لأنه إفساد في الأرض ويحدث شرخا عميقا في جسد الأمة الإسلامية لايندمل إلا بالقضاء على من سببه. إن هؤلاء الحكام ( الديناصورات ) ووعاظهم الفاسدين  الذين يجملون وجوههم ويحيطونهم بهالة من القدسية الزائفة والألقاب الفارغة  باستمرار ليظهروها على غير حقيقتها لشعوبهم وهم خدمهم الأذلاء  يحللون ماحرم الله ، وتنطلق أفواههم بعشرات الفتاوى التي تحث على قتل المسلمين في أي بلد مسلم يختارونه ليكون ساحة لأهوائهم ومخططاتهم الشريرة  ظنا منهم إنهم بهذه الجرائم سيبعدون الخطر عن أوطانهم ، وقصور ملوكهم وسلاطينهم ، وإنهم يستطيعون خداع شعوبهم وحجب الحقيقة المرة عنها  بتأجيج مشاعر وعواطف الناس إلى أماكن أخرى غير بلدانهم . هؤلاء هم الوبال ، وهم الخطر الحقيقي الذي يهدد كيان الأمة الإسلامية من الداخل. هذه الأمة  التي وصل وضعها إلى أسوأ من السيئ. و قد بات واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار إن الملايين من الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ بسقطون صرعى بأسلحة داعش والنصرة وشبيهاتها من  أوباش الإرهاب وأشدهم فتكا بالجنس البشري في هذا العصر. وهم يعيشون في مخيمات بدائية لاتليق بالكرامة الإنسانية بدون ماء ولا كهرباء ويعانون من البرد ومن نقص كبير في الغذاء والدواء وفيهم الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ . وهي مأساة إنسانية كبرى يشهدها هذا العصر. أهذا هو الجهاد الحقيقي الذي دعوتم إليه  أيها المفترون على الله .؟ 
فتعسا وسحقا لكم ياوعاظ السلاطين. والحمد لله الذي فضحكم . وكشف دعواتكم المليئة بالكذب والدجل واستغلال الدين لغايات لاعلاقة لها بأي دين سماوي بلغه الله للبشر . فقد غشيت واسودت وجوهكم وكأنها قطع من الليل ولا يخرج منكم إلا النكد والضلال أيها الخبثاء المارقون .  
فهل تجرأ أحدكم ورفع صوته ضد حاكمه الباغي أوطلب من هذا الملك أو السلطان بفتح سجونه أمام المنظمات الدولية لكي تعرف مايجري فيها من فضائع وامتهانات لكرامة الإنسان.؟ أما كان الأجدر بكم إن كنتم علماء حقيقيين أن تصدروا فتاواكم بتحريم قتل النفس من أية جهة كانت . بدلا عن هذا التحريض الطائفي المقيت ؟ ولكن أين أنتم من كلمة الحق عند سلطان جائر.؟ وقد عشتم طوال أعماركم على موائد السلاطين والملوك، وأتخمتم أنفسكم بالمال الحرام .؟    
ألا تبا لكم ولفتاواكم الفتنوية الضالة ياوعاظ السلاطين.
بسم الله الرحمن الرحيم :
(إِ نًما يَتًبِعُونَ أَهواءَهُمْ وَمَنْ أَضَل مِمًنِ آتًبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِّنَ اللّهِ إِنً اللّهَ لايَهْدي آلقَوْمَ الظًالِمِيْنَ. ) القصص -50