تعتبر إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق من الممارسات المسلم بها في العراق ليس فقط خلال فترة مابعد السقوط بل عبرتأريخ العراق السياسي ومنذ تأسيس الدولة العراقية أو ربما قبل ذلك أيضا. والإيمان بحقوق الإنسان بإعتباره فكراً وممارسة لايتم عن طريق إستيراد أفكاره كما حدث مع مبادئ الديمقراطية التي أستوردتها الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء بعد إحتلال العراق وسقوط النظام السابق والتي لم يلمس منها العراق والعراقيون سوى إشاعة مبادئ الطائفية والعنصرية حتى بات العراق مسرحاً كبيرا لممارسات إجرامية تتم بأسم الطائفية ، بل أن تطبيق مبادئ حقوق الإنسان يتم من خلال ممارستها فعليا على أرض الواقع سواء من قبل الدولة من خلال منظماتها الإنسانية شبه الرسمية أو دوائرها الرسمية ومن قبل المواطن بغض النظر عن مركزه الوظيفي أو الحزبي . فحقوق الإنسان هي مبادئ إنسانية معتمدة عالميا من خلال اللوائح العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان والمشرعة والمعتمدة من قبل منظمة الأمم المتحدة وتطبقها أغلب دول العالم المتحضر والمتمدن. وتعتمد مبادئ حقوق الإنسان بصورة عامة على صيانة وإحترام حقوق الإنسان الطبيعية التي خلق معها وتلك التي أكتسبها من خلال مبادئ المواطنة وضمن حدود القوانين المرعية للدولة التي ينتمي لها. وعلى الدولة أن تعمل من أجل ضمان إحترام تلك الحقوق، والدفاع عنها متى ماتم إختراقها أو التجاوز عليها سواء من قبل الدولة ومؤسساتها أو من قبل مواطنين آخرين. كما أن ممارسة مهمة الدفاع عن حقوق الإنسان لاتتم من خلال حفظ الوثائق وإصدار البيانات والنشرات والدوريات الإعلامية وتأسيس منظمات وجمعيات فقط بل تعتمد أيضاً على الممارسة الفعلية للدفاع عن حقوق الإنسان من خلال إبراز وفضح المخالفات للبنود الأساسية لمبادئ حقوق الإنسان والتجاوزات على الحريات الفردية والعامة بما يضمن تصحيح تلك المواقف وإعادة الحقوق لأصحابها سواء كانت معنوية أو مادية. لابد أيضاً أن تتوفر رقابة حقيقية للدولة من خلال قوانينها وأنظمتها ومنظماتها الإنسانية على المشاكل والمنازعات والحوادث التي يتم من خلالها التجاوز على الحريات الفردية للمواطنين دون تمييز بين المواطنين من كلا الطرفين المتنازعين ، سواء من ناحية الجنس أو اللون أو الدين أو المذهب أو العشيرة أو المركز الوظيفي وغيرها من عوامل التصنيف المتعددة والمتفشية في بلدان الشرق الأوسط أو البلدان المتخلفة أو النامية وغير ذلك من التسميات. ومن مهمات الدولة إيضاً أن تشيع ثقافة حقوق الإنسان التي ينص عليها الإعلان العالمي لمبادئ حقوق الإنسان، من خلال مؤسساتها الإعلامية بكل أشكالها المرئية والمسموعة والمكتوبة وعبر برامج التعليم بكل مراحله ومن خلال مدارس الدولة الرسمية وتشريع القوانين التي تشترط تدريس مادة حقوق الإنسان في المدارس الأهلية ، كذلك تأسيس كليات ومعاهد تعني بتدريس مادة حقوق الإنسان بصورة مستقلة عن دراسة القانون والتربية والتدريس لكي يتم بناء كادر مثقف متخصص بحقوق الإنسان تعتمده الدولة في مؤسساتها الرسمية والأهلية أيضا، وأخيرا السماح بتأسيس مكاتب أهلية متخصصة بحقوق الإنسان والدفاع عنها على غرار مكاتب المحاماة ، تعتمد شهاداتها في القضايا المرفوعة ضد التجاوزات شأنها في ذلك شأن مكاتب المحامين. في العراق ، تم عام 2003 تأسيس وزارة لحقوق الإنسان لأول مرة منذ تأريخ تأسيس الدولة العراقية. وهي خطوة إيجابية توحي بأن الدولة العراقية تعمل أو على الأٌقل تحاول أن تنتهج منهجاً صحيحا يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان والحقوق المدنية للمواطنين كما في الدول المتقدمة. تأسيس مثل هذه الوزارة يوحي بأن الدولة تعتمد على تطبيق مبدأ العدالة الإجتماعية والمساواة بين المواطنين بدون تفرقة وهي أمور نشك في كونها مطبقة فعلاً في الدولة العراقية الحالية. ولكن مع ذلك فإن مجرد تأسيس هذه الوزارة يعتبر خطوة بالإتجاه الصحيح. لقد أثار استغرابي الشديد بعض ما قيل في ندوة بعنوان " حقوق الإنسان عراقياً " عرضت على قناة "الحرة " مؤخراً ضمت كلا من الدكتورة بشرى العبيدي ، عضو في مفوضية حقوق الإنسان ، الأستاذ إبراهيم الخياط ، كاتب وإعلامي ، الأستاذ جمال الحيدري ، ناشط مدني ، والأستاذ كامل أمين ، المتحدث الرسمي بأسم وزارة حقوق الإنسان في العراق. أدار الندوة الإعلامي الأستاذ عماد جاسم. كان محور النقاش يدور حول حادثة إعتداء حماية وزير حقوق الإنسان على ضابط شرطة ومجموعة من أفراد الشرطة المكلفين بتنظيم المرور في شوارع بغداد ، التي كان لها صدى مهماُ في الشارع العراقي والجاليات العراقية في المهاجر، لأن "حماية وزير حقوق الإنسان تجاوزت بالضرب على شرطة المرور" انسجاما مع التناغم اللغوي الموسيقي لعبارة " حماية وزير حقوق الإنسان تتجاوز على حقوق الإنسان " ! يالها من فضيحة. لن أكرر أحاديث الأساتذة المشاركين في الندوة التي أنصح القارئ الكريم بمشاهدتها بالضغط على الرابط أدناه ، لكنني سأركز على حديث الأستاذ كامل أمين المتحدث بأسم وزارة حقوق الإنسان الذي جاء متعارضاً مع المبادئ الأساسية للمبادئ التي يحملها أو يتضمنها أسم "وزارة حقوق الإنسان" التي يتحدث بأسمها كما قدمه مدير الندوة. https://www.youtube.com/watch?v=ns2U5TBGXMc أقتبست مايلي مما قاله المتحدث بأسم وزارة حقوق الإنسان: " سيادة الوزير أبدى إستعداده في حالة ثبوت التحقيق أنه طرف في الموضوع أو أعطى الأمر . . متى ماكشف التحقيق مقصرية أية جهة بما فيهم حمايته ، وافق على إتخاذ كل الإجراءات القانونية " " والوزير بشكل مباشر أصدر توجيهاته وسوف لن يتدخل حتى في حالة معاقبة حمايته بأقصى العقوبات وفقاً لقانون قوى الأمن الداخلي". بتقديري أن مضمون الفقرتين أعلاه يدل بوضوح على عدم تفهم أو أنعدام وجود ثقافة كافية لدى مسؤول مهم في وزارة حقوق الإنسان بالمبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان. وهذه بحد ذاتها كارثة أخرى تضاف للمخالفة التي أقترفتها حماية وزير حقوق الإنسان بالإعتداء على ضابط وأفراد من شرطة مرور يؤدون واجبهم اليومي في تنظيم المرور في شوارع العاصمة. نعود للفقرة المقتبسة الأولى ونتساءل: هل من صلاحية وزير حقوق الإنسان الموافقة على إتخاذ كل الإجراءات القانونية بحق المقصرين من حمايته الشخصية فيما لو تم إثبات تقصيرهم؟ وان كان سيادته يملك صلاحية الموافقة فهل يعني ذلك أنه يملك صلاحية عدم الموافقة أيضاً؟ ولنراجع الفقرة المقتبسة الثانية ونتساءل: هل يملك سيادة الوزير صلاحية التدخل لمنع معاقبة أفراد حمايته الذين أعتدوا على ضابط وأفراد شرطة المرور؟ ان كان الجواب بنعم ، فمن الذي منحه مثل هذه الصلاحية التي ستعيق تطبيق بنود وقوانين حقوق الإنسان على المخالفين لها. وإن كان الجواب بلا ، فما هي ضرورة تصريح المتحدث الرسمي بأسم وزارة حقوق الإنسان بذلك إن لم يكن من صلاحيته التدخل. ألا يثبت هذا أن المتحدث بأسم وزارة حقوق الإنسان لايستحق منصبه؟
|