لا أدري ما الذي جمع بين هذين الاثنين، فكل منهما يعيش في عالم آخر.. قد يعود ذلك لما يسميه الفلاسفة «تلاحم الأضداد»، أو قد يعود لما توحي به مطبات الدكتور فتثير روح الفكاهة في الشاعر. زاره يوما في عيادته ثم انقطع عن تكرار الزيارة بما أثار فضول محجوب ثابت، فسأله عما إذا كان يخشى عدوى من المرضى، فأجابه: يا ليت، ولكنها البراغيث التي ملأت العيادة. أثار الموضوع قريحة أحمد شوقي فتدفقت بهذه الأبيات: براغيث محجوب لم أنسها ولم أنس ما طعمت من دمي تشق خراطيمها جوربي وتنفذ في اللحم والأعظم قد انتشرت جوقة جوقة كما رشت الأرض بالسمسم ترحب بالضيف فوق الطريق فباب العيادة فالسلم
وكما قلت بالأمس، أصر محجوب ثابت على امتطاء الحصان تعبيرا عن عروبيته. سمعت الكثير عن قوميين عبروا عن عروبيتهم بالاحتيال والانتهازية، ولكن دكتورنا هذا شاء أن يعبر عنها بركوب الحصان. غير أنه كان حصانا آيرلنديا معروفا باسم «ماكسي»، ولا يمت للخيول العربية بأي نسب. ولكن الدكتور لم يدرك أن الحصان، عربيا كان أو آيرلنديا، يحتاج أيضا للوقود، وهو العلف، فجوعه حتى هلك ومات. وعى الدرس فاستبدل سيارة بالحصان، ولكنه عانى منها أكثر مما عانى من الحصان، فأصبح ذلك نكتة أخرى تمثلت بهذه الأبيات من أمير الشعراء: لكم في الخط سيارة حديث الجار والجارة «أوفرلاند» ينبيك بها القنصل طمارة كسيارة شارلوت على السواق جبارة إذا حركتها مالت على الجنبين منهارة وقد تحرن أحيانا وتمشي وحدها تارة أدنيا الخيل يا مكسي كدنيا الناس غدارة؟
بيد أن شخصية محجوب ثابت لم تثر قريحة أحمد شوقي فقط، وإنما قرائح كثيرين ممن عرفوه والتقوا به، حتى رسامو الكاريكاتير وجدوا فيه ما يطيب لهم. بيد أنني لم أجد لوحة كاريكاتيرية كهذه الفقرة بقلم عبد العزيز البشري: «الدكتور محجوب ثابت عريض الألواح، بعيد مدى العظام، لولا أن في جسمه رهولة أميل إلى الطول، فإذا مشى خلته أحدب، وما به حدب، ولكنه انحناء الظهر من ثقل التبعات، لا من ثقل السنين. عريض الجبهة إلا أن أسفل وجهه أعرض من أعلاه. يرسل لحيته وشعر عارضيه في هيئة لطيفة. وله عينان كل منهما دائرة تحيط بدائرة حتى تنتهي إلى لسانها. وهما دائمتا الحركة والاختلاج. أما قافاته فحدث عنها ولا حرج. سمعت بنتا تقول لأخرى: (ألا تعرفين الدكتور الذي يقول يا بنت هاتي القبرة (الإبرة؟!)»
|