وللمسؤولين "غيرة" !

من المتعارف عليه أن (الغيرة) هي افكار ووساوس شيطانية تحتل رأس المرأة وتعصف بكل ما يعتريه من سلم وأمان فيه، لسبب أو لغير سبب، عند ظنها انها ستفقد زوجها أو حبيبها لصالح أي أنثى تقترب منه وتتواجد معه في العمل أو المدرسة او الجامعة أو أي مكان آخر، فنراها تشتعل غيظا وهمّا كلما شاهدت إحدى النساء قرب فحلها تبادله بكلام أو ضحكة او حتى مجرد نظرة طرف، حتى لو كانت من دون قصد، مما يترتب على المرأة في أكثر الاحيان تصرفات غير منطقية أو ليست مقبولة كون غرورها يعمي ناظريها عن رؤية ما يكون ضمن إطاره الصحيح، وقد تؤدي في أحيان أخرى الى أفعال تقتل العلاقة القائمة بينهما بسبب طيش التدبير وسوء التقدير، فـ (لغيرة النسوان فعل الخنجر) كما يقول الفنان الساهر في اغنية له.

هذه التصرفات النسائية قد عرفها العالم الشرقي والغربي وأعتاد عليها، وإن كانت المقارنة بينهما غير واقعية من حيث الكم والنوع والنتائج، لكن من غير المعتاد عليه أن تكون الغيرة موجودة وحاضرة بقوة بتصرفات الرجال، وكما نشاهدها لدى السياسيين العراقيين، فنراهم مثلا يتهافتون ويلهثون بقوة لاستحضار أجسامهم الكبيرة ومناصبهم الحساسة مع حاشيتهم ومواكبهم الى أي موقع حكومي أو عسكري أو منطقة منكوبة، فيعيدون الظهور فيها تباعا وكأن أحدهم يقلد خطوات الآخر تقليدا أعمى، وترافقهم في ذلك قافلة من الإعلاميين ومصوري القنوات الفضائية لنقل مؤتمراتهم الصحفية ومشاهد حضورهم المتكررة بالنسبة للمشاهد إلا من حيث اختلاف تقاسيم الوجه وملامح الاسم، رغم انهم يحرصون على الظهور فيها بأبهى حلة وأجمل طلة ليدلون بخطب وكلمات أكثر ما تكون معادة غير مستساغة أو هجمات سياسية واعلامية على أحزاب أخرى معارضة لأحزابهم، وكأنهم في مسابقة استعراضية لإثبات حضورهم أو الادعاء بمشاركة الشعب متطلباته ولحظاته وهمومه وافراحه، كما حدث في سفر أكثر من شخصية حكومية وبرلمانية ولمرات متعددة الى السعودية بعد وفاة الملك عبدالله، أو بيانات المطالبة والاستنكار المتكررة، أو بعث برقيات (تهنئة الى الشعب العراقي بمناسبة فوز المنتخب العراقي على منتخب ايران ضمن بطولة اسيا)!.

ان يغار مسؤول من آخر، ويقلد تصرفاته ويحاكيها بشكل كبير دون ابتكار أو حتى تغيير او اتخاذ مواقف مستقلة وبشكل أشبه بتقليد الببغاء، فهو أمر غير محبب لطبقته السياسية وجمهوره أولا قبل الآخرين، كما ان التكلف واصطناع ملامح الشخصية القريبة من الجمهور من دون وعي تام بذلك أو إحساس وطني خالص أصبح سمة بالية ولا يمكن لها ان تخدع أكثر الناس سذاجة، لاسيما أن العراقيين اليوم يمتلكون رصيدا عاليا من المتابعة والمراقبة ومستلزمات النقد مع تنوع وتعدد الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تنقل وترصد وتقارن سلوك أي مسؤول كونه يقبع دائما تحت مجهر المراقبة وطائلة المساءلة الجماهيرية، كما أن هذا التقليد بالتأكيد ينزع عن المسؤول شخصيته المستقلة ويجرده منها، ويجعله تابعا لأي مؤثرات اخرى تقلل من جهده وإبداعه، كما انها تضعه تحت عناوين الشخص غير المناسب والمسؤول غير الجدير بمنصبه!.