ليالي قريش.. الليلة السابعة

إيه الشرعية اللي خلت قصي يدخل الصراع مع خزاعة بـ قلب جامد؟

إحنا عرفنا إن قصي بن كلاب هو حفيد فهر، وفهر حفيد النضر وكلهم ولاد عدنان، ومفيش في دي خلاف. كل أجداد النبي لـ حد عدنان معروفين واحد واحد، ومعروف أمه مين، وعاش ازاي؟ طبعا المعلومات المتوافرة عن كل واحد منهم بـ الطبع متفاوتة بـ حسب أهمية كل واحد منهم، بس في النهاية معروفين.

إنما عدنان نفسه جه منين؟

إحنا عندنا اسمين: عدنان وقحطان، ونعرف إنهم أصل العرب، لكن العلاقة بين عدنان وقحطان، وأصلهم إيه، فـ ده كلام مش معروف من الناحية التاريخية، وطبعا فيه نظريات كتير، والنسابين ياما كلوا عيش من القصة دي، لكن الاختلافات والخلافات تخليك ما تقدرش تحكم على حاجة.

رغم الضباب ده، فيه اتفاق على إن عدنان من نسل النبي إسماعيل، حتى لو مش معروف ازاي، لكن معروف إن النقطة دي كانت البداية لـ مطالبة قصي بـ البيت بـ اعتباره إن اللي "جده" هو اللي بناه.

الحكاية دي بـ تزود احتمال إن خزاعة من قحطان مش من عدنان، وبـ تزود كمان احتمال الرأي الأغلب إن قحطان مش جايين من نفس السلسال اللي جه منه عدنان.

مش عايز أخوض في تفاصيل ضبابية أكتر من كده، لكن عايز أشاور على كام حاجة بـ خصوص الحتة دي.

أولا، انتصار قصي ثبت الشرعية اللي كان مستند لها، وهي نسب قريش للنبي إسماعيل، وبما إنه هو باني البيت الحرام، وكل التفاصيل مرتبطة بـ قصة وروده مع أمه السيدة هاجر للمكان ده، فـ ده بـ يدي قريش المسئولة عن حماية البيت ده ميزة على العالمين. ودي حاجة ما حاولتش خزاعة تعملها طول القرون اللي حكمت فيها.

تشريف قريش ده هـ يمتد معانا، يمكن لـ حد دلوقتي، وإحنا كلنا عارفين الحديث الشهير: "أنا خيار من خيار من خيار"، والمروي بـ كذا نص وكذا صيغة، بس كلها بـ تتفق على إن ربنا اصطفى من ولد آدم إسماعيل، ومن ولد إسماعيل اصطفى قريش ومن قريش اصطفى النبي.

فيه صيغ بـ تدخل كنانة في النص، بمعنى إن ربنا اصطفى ولد إسماعيل، واصطفى منهم كنانة، واصطفى من كنانة قريش. وفيه صيغ أعجب من كده، لكن الصيغ كلها بـ تتفق على فضل قريش، وده كان بـ يدعم الفكرة اللي اتنبتها السلطات المختلفة بعدين، سواء الدولة الأموية ولا العباسية، وهي إن الخلافة لازم تبقى في قريش.

ثانيا، الشرعية دي زودت الطبيعة الدينية لـ نظام الحكم، وغيرت التركيبة شوية، الحج أصلا كان فكرة لـ تنشيط التجارة، وخزاعة أسست فكرة إن كل واحد ييجي بـ صنمه، والكل يتعبد بـ طريقته، وده كان يستلزم الحد الأقصى الممكن من التعددية الفكرية والثقافية. صحيح قريش ما لغيتش الفكرة دي، ولا غيرت أي تفصيلة من تفاصيل الحج، لكنها مشيت خطوة نحو تمايز اجتماعي، هـ نشوف ثماره بعدين.

(بالمناسبة: تفاصيل الحج دي هي نفس التفاصيل المستمرة لـ حد النهاردة، بـ اختلافات طفيفة جدا، وممكن نراجع هنا كتاب خليل عبد الكريم "الجذور التاريخية للشر يعة الإسلامية" هـ نلاقي فيه كل حاجة)

ثالثا، كان فيه حالة سايدة في الجزيرة العربية، بـ اسميها "السيولة العقائدية"، نتيجة عدم رغبة السلطة السياسية في فرض رؤية دينية معينة، فـ كان فيه عقائد مختلفة بـ أشكال مختلفة، الحالة دي بدأت تتوجه مع نشوء دولة قريش لـ فكرة التوحيد، اللي كانت أكتر ملائمة للفكر السياسي الميال أكتر للتقريش أو التجميع أو التوحيد، واللي ارتبط بـ النظام التجاري اللي عملته مكة لـ حماية تجارتها وتحالفاتها، وبرضه دي كانت بذور، هـ تنمو، وتقرب أكتر في اتجاه الرؤية التوراتية لـ تفسير العالم والخلق.

سيبنا دلوقتي من الكلام النظري، وخلينا نشوف قصي وولاده.

تابعونا