يظهر واقع الحال العراقي ان شعب العراق لايزال ،على الأعم الأغلب ، مغلوبا ً على امره ، وفيما هو يكتنز مقتا ً للتحزب نشأ لديه من التجربة الطويلة القاسية مع حزب البعث التي لم يحصد منها في النهاية سوى الخراب والفقر ،فأنه يجد نفسه اليوم وهو يخضع لتنظيرات أحزاب لاعداد لها انتشرت على خارطته الجغرافية في الشمال والوسط والجنوب ،وبدأت تفرض نفسها وشخوصهاوسياستها وفلسفتها واوامرها ونواهيها عليه . ديمقراطية ليس فيها للمواطن شئ : ان ما يعرفه شعب العراق عن الديمقراطية المطبقة في بلاده اليوم هو تنظيمه وتوجيهه من قبل احزاب السلطة ليصوت على مرشحيها الذين ينالون في كل انتخابات جرت حصة الأسد ، وبعد ان يجلسهم في مناصبهم يعود ينظر لما يتمتعون به من امتيازات فيما يستمر هو بذات الظروف وشظف العيش والحرمان ،وبعد ان ينتبه الى ما فعله بنفسه يعود الى الأحتجاج والتظاهر كما حصل ويحصل في التظاهرات والأحتجاجات التي لاتزال مستمرة على تقاعد البرلمان ، فبعد مظاهرات صاخبة حصلت فيها مواجهات مرموقة بين المتظاهرين والقوات الأمنية ،اعلن عن الغاء تقاعد البرلمان وظهر العديد من البرلمانيين والمسؤوليين يتنافسون في ادعاء شرف الوقوف الى جانب الشعب ومساندته حتى تم الغاء تقاعد البرلمان ، والغريب ان بعد فترة زمنية يظهر للشعب ان شيئا ً من هذا لم يحصل وان تقاعد البرلمان على حاله ،فتظهر الدعوات من بين صفوف الشعب المغلوب على امره لأعادة هذه التظاهرات مرة أخرى متناسيا ً ان امرهم بيديه وانهم سوف لن يحافظوا على عروشهم وامتيازاتهم اذا لم يصوت لهم . خيارات الشعب : ولكن كيف والوجوه نفسها هي من تبرز ثانية للترشح والكتل المحركة لهم هي نفسها ،وهل يتمكن الشعب من فرض خياراته بالأسلوب المتبع اليوم ؟. ان معالجة العلة ليس في التظاهر على تقاعد البرلمان بقدر ما هي في المطالبة بتغيير الصورة الحالية للديمقراطية التي هي ديمقراطية القوي وحكمه على الضعيف ، وان على شعب العراق رفض هذا النوع من الديمقراطية المفروض فرضا ً عليه واختيار الديمقراطية الخاصة به ، التي تبرز من يختارهم هو، لا من يفرضون عليه ، ويتم ذلك : - بوضع ضوابط مشددة لأختيار المرشحين من الذين يحملون تحصيل دراسي لاشائبة فيه ولا تزوير،وان لايقل عن البكالوريوس ، وان يكونوا من ذوي الخبرة والتجربة الوظيفية ،وان يكونوا ممن اشتهروا بين الناس بالنزاهة والكفاءة والولاء للوطن وحسن السيرة والشجاعة . - لكون الديمقراطية في العراق وليد جديد فيتوجب دراسة التجارب العالمية الناجحة والأقرب الى التطبيق في بلادنا ، واختيار افضلها والتي تعالج مشاكلنا الحالية . - دراسة كافة السلبيات السابقة في الفترة من عام 2003 ولحد تاريخ اليوم ومعالجتها بروح الوطنية الخالصة ،بعيدا ً عن المصالح الفئوية والشخصية ،بحيث لايظهر الشعب وكأ نه يستجدي وأن هناك من يفضل عليه ،بينما هي خيرات بلاده لا منة فيها من أحد . - عقد مؤتمر شعبي يمثل أطياف الشعب المختلفة ومثقفيه وكوادره المهمة ،ولابأس ان يتم اختيار الممثلين وفق المناطق السكنية ، يناقش فيه واقع العراق وهموم الشعب المستقبلية والخطوات الجديرة بفرض سلطة الشعب الحقيقية والتي لاتسمح لمن هب ودب بالسيطرة على مقاليد الأمور وتسييرها، ومن المهم الأتفاق على من يحق لهم الأنتخاب بحيث يشمل اطياف الشعب الواعية والتي لايتوقع خضوعها لمغريات تافهة . - ان لصوت الشعب هديرا ً رقابيا ً يجب ان يكون مستمرا ً وغير مقتصر على التصويت للمرشح ،وخاصة اذا وجد انحراف واضح يضر بمصلحة البلاد وسلامتها ووحدتها وامنها وثرواتها ،وهذا غير موجود مع الأسف اليوم في ديمقراطية العراق . - التأكيد على استقلالية القضاء والجيش والأمن وتدعيم قواهما لمكافحة المخاطر التي تهدد وحدة وسلامة البلاد ،ومواجهة أوار الأرهاب المستمر في قتل العراقيين وتخريب بلادهم ومحاولة قتل روح البناء والتحدي فيهم . - يجب ان يتمتع الشعب بوعي كامل وهو يقوم بالتصويت لأجل اختيار العناصر الكفوءة ، ومن المهم ان لايقول ان الشخص الفلاني ماذا سيفيدني ؟ متوخيا ً المنفعة السريعة المباشرة ،والتي تكون غير ذات قيمة إذا ما برز ضعف الأداء لاحقا ً ،صحيح انه سيكسب بعض المنافع المادية البسيطة ولكنه سيخسر الخدمة العامة والكفاءة التي تؤخذ بالبلاد الى طريق البناء والتقدم ، ومن الأولويات هو عدم السماح بخضوع التصويت للأفتاء الحزبي والعشائرية وتأثيرات ذوي القربى،لأن هذا يولد حالة تناقض لدى الناخب ،حيث أنه غير مقتنع بعمل وأداء الأشخاص السابقين ولكنه يعود فينتخبهم للمرة التالية ، دون ان يقيم الفترات السابقة لخدمتهم . بين المواطن والمسؤول : صحيح ان المواطن اصبحت له خبرة انتخابية ولكن المسؤول ايضا ً اصبح يمتلك فن خوض الأنتخابات واجتيازها بسهولة وقد اصبح يدرك الطرق السهلة التي تمكنه من الفوز والأمساك بمقاليد الأمور وكان من المتوقع ما حصل في الأنتخابات السابقة ، من انها سوف تعيد نفس الوجوه القديمة التي فقد المواطن الأمل في قدرتها على تغيير اوضاع البلاد وبالتالي سندور في نفس الدوامة ، وهذا دليل على ان ديمقراطيتنا هي اقرب الى الفوضى المبنية على صفقات غير صحيحة ما دامت نتائجها بالضد من الديمقراطية الحقيقية و ما دامت لاتجلب الخير للمواطن وما دامت لاتحمل التغيير المطلوب في اوضاع البلاد والسير فيها في طريق التقدم المنشود . ان المعيار ،وخاصة للسادة المسؤولين الذين جربهم المواطن العراقي ، موجود في ذهنية وتفكير العراقي ولكن الطرق والحيل الأنتخابية نفعت في إعادة الأشخاص والعناصر الذين فشلوا في ما عهد اليهم من مسؤولية لمرة أخرى وهذا ينطبق على عموم العراق سواء في الشمال أوالجنوب ، وان توجيهات المرجعية الدينية والوعود الأنتخابية للمرشحين الجدد لم تجدي نفعا ً رغم ان المواطن أصبح أكثر تجربة وهو يخوض دورات انتخابية عديدة . نأمل من الجميع ، السياسيون والناخبون ان يضعوا مصلحة العراق وشعب العراق فوق كل أعتبار ، وعدم الركض وراء المصالح والأمتيازات الخاصة ،والصفقات التي اصبحت على كل لسان يتندر بها عامة الناس ،ومن اولى الأعتبارات وضع ضوابط متينة تتيح للمرشحين الكفوئيين بالترشح بعيد عن الحزبية والشخصانية التي لم تجلب للعراق سوى الأحتراب والتفكك في الوحدة الداخلية والأنشغال عن الهموم الحقيقية للمواطن العراقي .
|