الكيان العراقي والرهان الأمريكي :هل أمريكا جادة حقا"لضمان وحدة العراق ؟!

منذ أن داهم مسلحوا (داعش) أرض العراق - بدعم ومساعدة أطراف داخلية وخارجية سيكشف القادم من الأيام هويتهم - ليحتلوا بعض محافظاته الشمالية والشرقية والغربية ، ويفرضوا سيطرتهم العسكرية عليها ويعلنوا دولتهم الخلافية (نسبة إلى الخلافة) فوق ترابها ، والسياسة الأمريكية تمارس ، مع الحكومة (المالكية) السابقة وخليفته (العبادية) اللاحقة ، لعبة شدّ الحبل وإرخائه دون أن تحسم موفقها وتحدد خياراتها إزاء مصير العراق ؛ هل هي فعلا"مع وحدة أرضه وشعبه كما تزعم ، أم تراها تقف مع الداعين لتقطيعه جغرافيا"، وتقسيمه عرقيا"، وتوزيعه مذهبيا" كما تروم "؟؟!! . وللكشف عن حقيقة الموقف الأمريكي من هذه المسألة لابد أن نعي واقعة ؛ إن تاريخ هذه الدولة الملئ بالأسرار والمحاط بالألغاز ، يؤكد إن المعيار الذي تعتمده وتأخذ به في تعاطيها مع الشؤون الدولية ، هو ألاّ يكون لديها أي (معيار) تلزم نفسها بمراعاته والاحتكام إلى ضوابطه ، بحيث يكون بندولها السياسي بحالة حركة حرة يتجه حيثما مصالحها الإستراتيجية تكون ، وبخلافه فلا عبرة ولا اعتبار لكل المواثيق والأعراف الدولية التي تتشدق بحرصها عليها والتزامها بها ليل نهار . ومن منطلق هذه المقاربة البسيطة نحاول أن نستخلص مواقف الإدارة الأمريكية حيال سياستها في عراق ما بعد غزوها الغاشم ، الأمر الذي تشير كل الدلائل إلى أن مصير العراق (أرضا"وشعبا"وتاريخا") لا يهم أمريكا لا من قريب ولا من بعيد ، باستثناء ما يدره عليها من ثروات مغرية وما يقدمه لها من موارد طبيعية طائلة ، فضلا"عما يمثله موقعه الجيوبولتيكي في خارطة الصراعات الجيواستراتيجية من أهمية فائقة . والحال هل ينفع أمريكا أن يكون العراق موحد جغرافيا"وبشريا"لتضمن حصولها على مثل تلك الامتيازات ، أم بالعكس إن عملية تقسيمه جغرافيا"وتجزئته اجتماعيا"كفيلة بتأمين ما تتطلع إليه من أطماع ومآرب ؟! . وبمعادلة بسيطة نستنتج إن الصراع بين الإرادات يقوم على الإخلال بتوازن القوى بين الأطراف المتصارعة ، ولكي يحقق الطرف الأول تفوقه على خصمه الثاني في المعادلة ، لا مناص أمامه سوى طرق كل السبل المتوفرة وتجريب جميع الخيارات المتاحة ، التي من شأنها إتاحة الفرصة لتحقيق هذا الهدف وبلوغ ذلك المأرب . ولعل في مقدمة تلك السبل والخيارات هو إضعاف قدرة الخصم وشل إرادته وتشتيت قواه وتمزيق صفوفه واستنزاف طاقاته ، بحيث يوضع في مأزق لم أمامه خيار آخر سوى التسليم بالأمر الواقع والانصياع لشروط المنتصر . والحال ليس كتقطيع الإقليم الجغرافي ، وتمزيق النسيج الاجتماعي ، ونسخ الذاكرة التاريخية ، ومسخ الهوية الوطنية ، ما يضمن الوصول إلى تلك الغايات القصوى والأهداف العظمى في حروب الإرادات تلك . ولما كان الأمر كذلك بالنسبة لغالبية القوى العظمى التي نحن منحا"إمبراطوري في السيادة العالمية كما هو حال أمريكا المعاصرة ، فهل يا ترى أن وحدة العراق تشكل عائقا"يؤخر – ولا نقول يمنع – مساعيها ويؤجل مخططاتها ، لاسيما وإنها آخذة بنظر الاعتبار إن من أولويات إستراتيجية الدولة الصهيونية ، هي تفتيت الكيانات العربية الحالية إلى دويلات متناحرة يمكن احتوائها وشعوب متصارعة يسهل تطويعها . وهكذا فان سؤال ؛ هل إن أمريكا تريد وحدة العراق من عدمه ينطوي بذاته على سذاجة لا تغتفر ، ذلك لأن أهداف الإدارات الأمريكية – بشقيها الجمهوري والديمقراطي – حيال مسعى / جريمة نسف أسس تلك الوحدة الجغرافية والاجتماعية هي مسألة محسومة مسبقا"، أما متى وكيف يتم التعامل مع هذا المشروع الاستعماري فتلك مسألة أخرى يترك أمرها إلى الظروف الإقليمية والأوضاع الدولية ، التي لابد إن تتأثر سلبا"أو إيجابا" بهذا الحدث المصيري / التاريخي المدوي ! . 
والمفارقة إن الإدارة الأمريكية – رغم كل الإغراءات والامتيازات التي يوفرها لها مشروع التقسيم - ليست في عجلة من أمرها حيال الشروع بتنفيذ هذا الموضوع الخطير ، مثلما يتحرق شوقا"لذلك بعض ضواري النخب السياسية والدينية المحسوبة ظلما"من أهل هذا البلد . غابتها (= الإدارة الأمريكية) في ذلك الوصول بالأطراف المعنية إلى أدنى مستوىات الممانعة الوطنية والإقليمية والدولية التي يمكن أن يستفزها هذا الإجراء غير المسبوق ، إضافة إلى جعل الأطراف السياسية العراقية المستفيدة من هذا المشروع والمراهنة عليه ، أن تستمر وتيرة نهشهم البعض للبعض الآخر ، إلى حدّ استنفاد كل ما لديهم من قدرات وطاقات وخيارات ، يمكن اللجوء إليها والاستعانة بها لفرض (شروطهم) عند البدء بتشكل الكيانات الاقوامية وتكوين الدويلات الطوائفية . أي بمعنى آخر جعلهم رهائن معلقي الإرادة ليني العريكة وطيعي الانقياد ، يأتمرون بما تقرره الإدارة الأمريكية من توجهات وينفذون ما تخطط له من استراتيجيات ، فضلا"عن حملهم على التنافس (الأخوي) المحموم لتقديم أفضل الضمانات والتسهيلات ؛ سواء في مجال بناء القواعد العسكرية وما يترتب عليها من التزامات مهينة ، أو في حقل إقامة المشاريع الاستثمارية وما يتمخض عنها من تنازلات مجحفة ، أو في مضمار الترويج للقيم الأمريكية وما ينتج عنها من أخلافيات متحللة !! .