سماحة مسيحي.. وقساوة مسلم

 

 

للمرة الثانية منذ سنتين، استوجب التأكيد، على أن من حسنات المحنة التي فُرضت على سورية، أنها بيّنت الوجه المُشْرِق لمسيحي المَشْرِق.. كفصاحة اللّسان، ومقاومة الاحتلال، والدفاع عن الأرض والعرض، والسعي للوحدة الوطنية، ومواجهة كل تعصّب وتفريق.

وبعد استشهاد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، تم استضافة القساوسة العرب، بمختلف رتبهم وطوائفهم، ومن دول عربية مجاورة لسورية، وأكثرهم جاء متطوعا من تلقاء نفسه، وكلهم ذكروا خصال الشهيد وأثنوا عليه، وطلبوا له المغفرة، وتمنوا له الجنة، ووقفوا مطولا عند سماحته، ورجاحة عقله، وسعة صدره، وخصّوه بالدعاء والصلاة، وتأسّفوا لفقدانه، وبكوا للمساجد التي انتهكت حرماتها، وديست مقدساتها، عبر الأشلاء المتطايرة، والدماء الزكية الطاهرة المتناثرة، وحضروا تشييع جنازته، فنالوا بذلك، فضل واجب العزاء والتشييع.

سيسجّل التاريخ، أن رجالا من دين آخر، ومن عقيدة مخالفة، ذكروا موتى الغير بالخير، وحفظوا للرجال قدرهم، وهم تحت الأرض، فلن ينسى من فوق الأرض موقفهم.

بينما الشيخ يوسف القرضاوي، يؤخّر ذكر اسم الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي، بعد أن يذكر الانفجار، واسم المسجد، وعدد القتلى، ولم يترحم عليه، ودماءه لم تجف، بل قال لاأستطيع إلا أن أترحم عليه، حين ذكر اسمه، وتأسّف لصداقته مرتين.

واليوم، تنقل يومية "القدس العربي"، عنوانا بارزا جاء فيه: " إمام المسجد الحرام: البوطي من أئمة البدع والضلال وبموته يخف الشر".

ليست من صلاحية هذه الأحرف، مناقشة المواقف، فلكل أسبابه ودواعيه. لكن الأدب مع الميت، مقدّم على ما في الصدور وبين السطور، ولو خالفته الرأي والمواقف. فكيف بمسلم، مات بين المنبر والمحراب، يتلو كتاب الله، ويفسّره لعباده.

إن احترام الميت من الفضائل التي يتسابق الأحياء عليها، وحين يحترم المسيحي، حرمة الميت المسلم، ويهينه أخاه الذي يشاركه الدين والعقيدة، حقّ لمن خالفك الدين والعقيدة، أن ينال السّبق، والفضل معا.