رسالة جُندي هارب |
فكرتُ كثيراً قبل البّوح, او بالأحرى, جعل بوحيّ في رسالةٍ مفتوحة. سأحاول ألا تكون تبريراً او مُخَّاطَبةً لجهةٍ او لسلطةٍ ما, فلن يعنيني التوضيح, سأبوح فقط لأستريح, فقد رأيت وقاتلت, ولم اقتل لِسببٍ أجهلهُ. لا اريد القتال بعد الآن؛ تحت امرة من لايجيدون سوى الفرار اذا اشتد الوطيس والتمترس خلف جنودهم وهم يُصْدِّرونَ امراً بالهجوم, والذي غالبا ما كان ينتهي بمحاصرة قطعاتنا, وهروب قائدُنا, واستشهاد الجنود الابطال على خط النار؛ بعد نفاذ ذخيرتهم. لن ابالغ حول الامر, فلن اكترث لذم او مدح . الضابطية, الحلابسة, الكرمة, الرفوش ودويليبة, مجموع المناطق التي خُّضتُ فيها الحرب بكل ماتَحّمِلهُ من معنى, اصدقاء ورفاق يستشهدون بالجملة, اطلاقات قناص بعيدة المدى, دفعتني عن مرماها يدٌ خفيةٌ لتتجاوزني في رقصة سخيفة مع الموت. السبب الذي من اجله ايقنت ان الموت في هذه الحرب لن يعني اكثر من فرد ينقص من عائلتي فقط, هو ان جميع المناطق التي قاتلنا لأجل تحريرها وقدم فيها افضل الجنود دماؤهم, تُرِكتْ بعد ذلك للعدو, لنعاود بعد فترة القتال لأسترجاعها, فالقائد ثري حرب, تدفع له الحكومة الأموال لتحرير الأرض, ومن مصلحته ان تستمر الحرب ولايعنيه بعد ذلك اي شيء مادام خلف خطوط التماس بكامل القيافة والأناقة. لا احد يعلم انه في كل الامكان التي اشتبكنا فيها مع العدو, انتهى الأمر بحصار قطاعتنا من قبل عصابات قليلة العدد لا يتجاوز افرادها الخمسون عنصرا على اكثر تقدير, مُدربين, يجيدون الانتشار, بطريقةٍ لم نتعلمها في التدريبات!, ولا احد يعلم, إن القائد الاعلى المسؤول عن اعداد خُطة الهجوم يهرب في كل مرة يقود فيها جنوده, ويتركهم مكشوفي الظهر بعتداد سرعان ما يأزف !. لم اكن اعلم إن من شُرعة الحرب ان يكون القائد جباناً !. |