من يقول لكيري ما قالته جميلة إسماعيل؟

 

ضحكت وأنا اسمع ما قاله امس وزير الخارجية الاميركي جون كيري من ان "على اصدقائنا العراقيين معرفة أن الديمقراطية تعني شمولية المشاركة والاجماع وان الذين يشعرون بالغضب يجب أن لا يتخلوا عن النظام او ينسحبوا منه". 
ولم يجبنا السيد كيري ما هي نوع المشاركة في الحكم التي يتحدث عنها؟ وهل يعتقد ان حكومة المالكي هي النموذج الديمقراطي الذي يجب ان يسود في المنطقة، والذي لا تزال امريكا ملتزمة بدعمه حسبما بشرنا امس في مؤتمره الصحفي؟
والسؤال الاهم: هل الامريكان قلقون مما يجري في العراق؟ وهم يعلمون جيداً ان ما يجري من خراب على الارض كان بسبب مزاجية سكان البيت الابيض.
قبل ايام تساءل الصديق نبراس الكاظمي على صفحته في الفيسبوك عن مغزى عدم زيارة اوباما للعراق وهو على بعد اقل من ساعة في الطائرة من بغداد. ولماذا ذهب إلى العاصمة الاردنية عمان، وقام بجولة سياحية في مدينة البتراء الاردنية وثم قفل عائدا الى امريكا، أليس من الغرابة بأن الرئيس الامريكي على بُعد هذه المسافة القصيرة من بغداد، وجولته جاءت متزامنة مع الذكرى العاشرة للحرب، ولكن لا يسعه القيام بزيارة إلى العراق؟ أليست تلك دلالة اخرى على أهمية العراق حاليا في سلم أولويات الولايات المتحدة.
ورغم أن هناك اسئلة تدور في كواليس اصحاب القرار الاميركي من عينة: ماذا نعمل؟ الا ان الواقع يؤكد ان الدائرة الضيقة من اصحاب القرار الاميركي لم يعد يهمهم مايجري في العراق، مادام الجالس على كرسي الحكم يدير البلاد من خلال نظرية التحالف الاستراتيجي، وهو ما اصر أن يذكرنا به السيد كيري من ان "الولايات المتحدة الامريكية مستمرة باحترام دورها الداعم للعراق وفقا لاتفاقية الاطار الاستراتيجي"، والاطار الاستراتيجي هنا، هو ان يبقى كل في موقعه والاكتفاء بالخطب والبيانات.. حيث تتصور الادارة الاميركية ان هذا هو المبتغى والمنال عند العراقيين، وان كل شيء تمام ، فالامر اولا واخيرا مجرد تجديد وجوه  والإيحاء للناس البسطاء اننا اصبحنا بلدا ديمقراطيا لمجرد ان صناديق الانتخابات وزعت في المحافظات. 
يدرك كيري ومعه  سادة البيت الابيض ان العراق  يعيش المرحلة الأخطر، وهي مرحلة الانقلاب على التغيير الذي حصل بعد عام 2003، وان العديد من ساستنا يسعون الى فصم عرى البلاد وتفريقها شيعا وأشياعا، وان مسؤولينا لم يتوقفوا عن تقديم كل ما هو فاشل ومزيف وعشوائي، وإشاعة كل ما يمت إلى القسوة والعنف، ويعلم كيري جيدا ان بعد عشر سنوات من التغيير بات المشهد أكثر سوداوية وقتامة، وان العراقيين يدركون جيدا ان الأمريكان ليسوا قلقين على مستقبل العراق وهم يتصرفون كما كانوا في الماضي، يدعمون الجالس على الكرسي ولا ينسون ان يقيموا جسور تواصل –لا غير- مع معارضيه، من اجل احداث بعض التوازن مع صاحب "صولجان الحكم". 
في المقابل علينا ان ندرك جيدا ان معارضي المالكي يعيشون من جانبهم مأزق حقيقي، وان ادارتهم للازمة السياسية الحالية لم يكشف حتى هذه اللحظة أن بإمكانهم الخروج من هذه المعركة ولو بقدر قليل من الخسائر، وسوف يتضح للمواطن العراقي كيف يمكن الوثوق في أحزاب وقوى سياسية طرحت مشروعا للإصلاح السياسي ثم تخلت عنه مقابل حفنة وزارات ومناصب هلامية، لا لون لها ولا طعم. 
كنت اتمنى على قادة المعارضة العراقية أن يواجهوا كيري بالحقائق وان  يقولوا له بمثل ما أخبرته الناشطة المدنية المصرية جميلة إسماعيل من أن بلداننا ليست حقول تجارب، وان العراقيين لم يعد يقتنعون بحفلات تنكرية  لتنصيب أوصياء ومتسلطين.. فالناس لاتريد استبدال نظام دكتاتوري بنظام متسلط يتخذ من الديمقراطية ستارا لقمع الآخرين وإقصائهم. 
اليوم حين يعتقد معارضو المالكي ان أميركا يمكن أن تعترف بأنها اخطأت واساءت التقدير، فذلك إنما دفاع عن مشاريع سياسية غير ناضجة كما أنه يعني أن الكوارث قابلة للتكرار وخصوصا أنها صارت تستنسخ نفسها يوما بعد آخر.
الخوف كل الخوف من أن يكون السيد كيري قرر في لحظة سوء تقدير جديدة ان يدعونا جميعا ان لا نتخلى عن المالكي، لان امريكا تريد صناعة حليف استراتيجي، وليس المساعدة في بناء دولة قوية ومتعافية. 
من يجرؤ أن يقول ذلك لـ"كيري"؟