يدرج قانون "حماية الصحفيين" العراقيين ويسمى ايضا قانون حقوق الصحفيين، الذي جرى اقراره بعد مماطلات وتسويف كبيرين، في جانب كبير منه، وبرغم ملاحظاتنا عليه، نصوصاً واضحة تمنع الاجهزة الحكومية من التعرض للصحفي، ناهيك عن الاعتداء عليه والحاق الاذى به؛ فتنص المادة (7) على انه "لا يجوز التعرض إلى أدوات عمل الصحفي إلا بحدود القانون"، في حين تلزم المادة (3) "دوائر الدولة والقطاع العام والجهات الأخرى التي يمارس الصحفي مهنته أمامها تقديم التسهيلات التي تقتضيها واجباته بما يضمن كرامة العمل الصحفي"، اما المادة (6) ثانياً فتعطي " للصحفي حق الحضور في المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة من اجل تأدية عمله المهني"؛ و المادة (4) أولاً تنص بصورة صريحة على ان "للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون". لقد جاءت عملية الاعتداء مؤخراً على صحفيين عراقيين عزل من قبل حمايات مسؤول امني كبير في الحكومة العراقية، لتميط اللثام عن مدى الخلل القيمي والسلوكي الذي يواجهه الصحفيون، بل وعموم الناس في العراق؛ والغريب في الامر ان الحماية المسلحة للمسؤول، هي اول من تدخل وتحرك واعتدى على الاعلاميين، في حين ان المسؤول لم يتعرض الى مخاطر جدية تسوغ ذلك، بل انه لم يتعرض الى أي مخاطر اصلاً؛ كما ان على الحمايات الشخصية في مثل تلك الاحوال الا تتدخل الا في الحالات القصوى، و فقط اذا تعرضت حياة المسؤول الى خطر حقيقي، وان تحركها يجب ان يكون على وفق السياقات الصحيحة؛ وتلك امور يفترض ان يتعلمها منتسبو الامن كأولويات لعملهم الوظيفي. ولعل من المناسب هنا، ان نذّكر المسؤولين العراقيين بتصرف حماية الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن، و بالسلوك الحكيم الذي ابدوه، عندما تعرض بوش قائد الدولة العظمى، الى الرشق بالحذاء من قبل صحفي عراقي كان حاضراً في مؤتمر الرئيس الصحفي في سنة سابقة، حتى اننا لم يتسن لنا رؤية افراد الحماية برغم ان وقائع المؤتمر كانت منقولة على الهواء مباشرة عبر شاشات التلفاز؛ وبرغم ان الرئيس الاميركي كان يزور اخطر منطقة في العالم في حينه. والامر ذاته يصح حين يجري رشق وزراء و رؤساء وزارات ومسؤولين وحتى ملوك بالبيض الفاسد والطماطم وغيرها، او مثلما حصل حين قام نشطاء اوكرانيون بالقبض على مسؤول كبير متورط بالفساد في الشارع و القوه في صندوق قمامة و صوروه بالفيديو ونشروه على مواقع التواصل الاجتماعي، فلم تتدخل حمايته الا في المراحل الاخيرة لانهم لم يروا تهديداً فعلياً لحياته. لقد حاول البعض في حديثهم الى الفضائيات بشأن الاعتداء على الصحفيين العراقيين احالة الامر الى ما اسموه بالشخصية العراقية "العصابية" و هو نوع من انواع الخوف يؤدي إلى اضطراب في الشخصية وفي الاتزان النفسي يدفع الشخص العصابي الى ان يصبح ضحية لانفعالاته العصبية الحادة؛ محاولين ارجاع تصرف افراد الحماية الى تركيبة الفرد العراقي؛ وتلك امور من المحبذ ان تترك لعلمي الاجتماع والنفس، لدراستها، اما الآن وبعد ان وقع ما وقع فعلينا ان نتحدث عن الجانب القانوني والقضائي من القضية، وان نتحرك لإعادة الاعتبار الى مهنة الصحافة والاعلام و الى عموم العراقيين لاسيما ان المادة (9) من قانون حماية الصحفيين تنص على انه "يعاقب كل من يعتدي على صحفي في أثناء تأدية مهنتـه أو بسبب تأديتها بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف في أثناء تأدية وظيفته أو بسببها"، ويتوجب علينا ذلك لأن الاعتداء الاخير على الصحفيين لم يكن الاول و نأمل ان يكون الاخير. كما ان على الصحفيين العراقيين، ان يأخذوا نصوص القانون واجراءاته بمجملها، لا ان يركزوا على جانب واحد مثل حرية الحصول على المعلومة برغم اهميتها، فتدابير حماية الصحفيين لا يجب تجزئتها. وهناك جانب يتعلق بالمسؤولين الحكوميين انفسهم، اذ ان عليهم ان يستقدموا الى المؤتمرات الصحفية التي ينوون عقدها معاونيهم ومستشاريهم المختصين بشؤونها، والا يركزوا على تكثيف الحمايات بصورة لافتة تكون استفزازية في بعض الاحيان، كما ان عليهم الحرص على ادخال حماياتهم المسلحة دورات في السلوك وفي اساليب التعامل مع الناس في الشارع وفي اماكن التجمع و بضمنها المؤتمرات الصحفية؛ علاوة على ذلك، ان من الواجب اختيار اطقم الحمايات من الاشخاص الاكفاء وقويمي الاخلاق، والنأي عن اختيارهم على وفق حسابات عشائرية او لاعتبارات القرابة او الحزبية، فتلك عملية مضرة الى اقصى حدود الضرر، كما ان على المشرفين على ادارات المؤتمرات الصحفية ان يكونوا من المهنيين في وظيفتهم الاعلامية، وان يتمتعوا باللياقة المطلوبة للتعامل مع الصحفيين وتجنيبهم الاحتكاك مع افراد الامن. ان سعينا الى بناء دولة المؤسسات، مثلما هو عليه الحال في الدول الديمقراطية الحقيقية، يتطلب من الجميع التصرف بالمسؤولية المطلوبة، وتحكيم الاحترافية في العمل كل ضمن مسؤوليته و واجبه، والعمل على تكريس قيم التعاون الانساني والتفاعل بين افراد المجتمع؛ بما في ذلك العلاقة بين الاعلاميين والمسؤولين الذين ينوون توضيح سياسات مؤسساتهم في مؤتمرات صحفية، اذ ان الصحفي يقدم خدمة كبيرة للمسؤول بعرض نشاطاته التي يفترض انه قام بها انسجاماً مع وظيفته وليس ارتباطاً بموضوعات اخرى منها الدعايات الانتخابية او ما شابه، ويجب بهذا الخصوص ان نفّعل العلاقة بين الطرفين في كل وقت وليس قبيل الانتخابات فحسب، لاسيما ان مجتمعنا يخوض معركة حياة او موت ضد قوى التطرف والعنف ولن نحقق الغلبة فيها الا بتعزيز الوشائج الانسانية بين افراد المجتمع العراقي.
|