في هذه الأيام التي لا نرى فيها على الإنترنت غير الفضائح والدمار الذي يجتاح مدن العالم الإسلامي، وصلني هذا الكليب على الإنترنت لمقطع يصور شابا مسلما معمما أسمر اللون في مدينة تورونتو في كندا وقف أمام أحد المخازن الكبرى وقد شد عينيه ومد يديه إلى الأمام وبجانبه لوحة تقول: «أنا مسلم يصفني الناس بأنني إرهابي. أنا أثق بكم فهل تثقون بي؟». راح الجمهور رجالا ونساء يخفون إليه ليعانقوه ويعانقهم بمحبة. انطلق آخرون ليصوروا هذا المشهد المؤثر بكاميراتهم. أوقف أحدهم سيارته في وسط الشارع وخف إليه ليعانقه ويقبله ثم يستأنف سيره. نظرت لهذه اللقطة وشعرت بكل كياني يهتز استحسانا وإعجابا بها. والجدير بها أنها كانت مبادرة فردية تعبر عن المحبة والثقة ومشاعر الأخوة وترمي لإزالة هذه المخاوف التي أخذ الغربيون يشعرون بها تجاه المسلمين في إطار الإسلامفوبيا. والطريف في اللقطة أن ذلك الشاب شد عينيه بمنديل، فهو يثق بالجميع. ما أروعها من مبادرة فردية. ولكنني أتذكر أيضا قبل أشهر مبادرة أخرى قام بها أحد أئمة المساجد في شمال بريطانيا. رحل معظم اليهود من المدينة ولم يعد للكنيس اليهودي أي متعبدين يردون إليه للصلاة غير نفر قليل. فترك الكنيس للإهمال والتداعي والخراب. وراح المتعبدون يسافرون إلى مدينة أخرى مجاورة للتعبد فيها. فالصلاة اليهودية لا يمكن أن تتم من دون نصاب من عشرة أشخاص على الأقل. اضطر الحاخام إلى بيع الكنيس للتخلص منه. رأى إمام المسجد اللوحة المعلقة على المبنى «للبيع». فأحزنه ذلك، أن يضطر اليهود لبيع كنيسهم التاريخي بسبب تكاليف إدامته. ألقى الإمام خطبة يوم الجمعة وذكر فيها محنة هذا الكنيس والفئة الصغيرة من المتعبدين اليهود. ودعا المسلمين إلى التبرع لإصلاح الكنيس وإدامته وإعادة فتحه لإخوانهم اليهود المؤمنين. استجاب المسلمون للنداء وجمعوا ما يلزم من المبالغ وفاتح إمام المسجد الحاخام المسؤول وتعاونا على إصلاح المبنى وإعادة فتحه للمتعبدين. ونشأت عن هذه المبادرة السخية علاقات وطيدة ين الطائفتين وراح الحاخام يولم للإمام والإمام يولم للحاخام، فطعامهم حل لكم. وكذا علاقات الاحترام والمحبة بين الطوائف. أقول مثل ذلك عن الخطوة التي قامت بها المنظمات الإسلامية في بريطانيا عندما أعلنت عن «يوم مفتوح»، فتحت فيه جميع المساجد هنا لزيارة الجمهور والتفرج عليها وعلى المسلمين المتعبدين فيها. ولبى الجمهور الدعوة فتقاطروا عليها بالألوف شاكرين. كم نحتاج لمثل هذه المبادرات لتجسيم سماحة الإسلام وروحه السلمية المتفتحة والمفطورة على التعايش والشراكة. وكم أشعر بأسى وامتعاض من أسلوب التقوقع الذي تبديه الكثير من العوائل والتجمعات الإسلامية في المجتمع الغربي. لا نشاركهم في نشاطاتهم واحتفالاتهم، ولا حتى في انتخاباتهم الديمقراطية. لا عجب أن نراهم ينظرون إلينا باستغراب ومخافة.
|