أخذت مؤشرات نهاية الجزء الاول من مسلسل العملية السياسية في العراق تظهر فكاتب السيناريو ما عاد بجعبته الكثير واضطُر للعب في الوقت الضائع بعد فشل مفاجأة الحلقة الاخيرة والتي تمثلت باجتياح الجيش السري لأميركا وهو تنظيم داعش لعدة محافظات عراقية وبانهيار دراماتيكي صاحب ذلك في جزء كبير من المنظومة العسكرية والامنية العراقية وكان يؤمل ان ينعكس انهيارا في النظام السياسي القائم.
لم يعد في جعبة كاتب السيناريو الكثير من الادوات والمفردات التي استهلك اغلبها ولا لحياكة المزيد من المتاهات التي حُلت عقدها ولا لصناعة العديد من الالغاز والمعضلات التي تم الوصوال الى مفاتيحها.
كما ان ابطال هذا المسلسل الدموي الطويل استنفذوا ما في جعبتهم من رصاصات الطائفية وباتت سياسة استغفال الناس سياسة مكشوفة وصناعة بائرة بتقادم الايام وتكرار اساليب التعاطي مع التطورات وطريقة مقاربة الاحداث.
التجهيل والتسطيح وصناعة ثقافة الاستغفال والاستحمار ومصادرة الارادة الحقيقية وتزييف الوعي وتوظيف الارهاب - الذي اضحى عميلا مزدوجا لمحركيه ولطبقة الساسة النفعيين - هي ادوات السلاح التي استخدمها ساسة العملية السياسية وقادتها طوال فترة ما بعد عام 2003 ولازال البعض يلجأ اليها حتى اليوم فضلا عن اللجوء الى المفردات الطائفية واستخدام لغة التعبئة والتجييش المذهبية في مواسم الانتخابات واستهلاك مفردات التخويف والترهيب من الآخر لكي تستمر وتطول فترة سطوتهم وهيمنتهم وبخلاف ذلك لن يدوم بقاؤهم وسيقلب الشعب الطاولة عليهم ولو بعد حين لان استمرار الوضع الذي خلقته آثار وتداعيات طريقة التعاطي والتعامل مع ما تنتجه العملية السياسية الكسيحة في العراق لم يترك تأثيره على حياة العراقيين وواقعهم على كل المستويات فقط بل سيترك تأثيره حتما على مستقبل الاجيال اللاحقة ومصيرهم ومصير العراق كبلد ومصير المنطقة.
فقد سددت التطورات الاخيرة في الوعي العراقي ضربات كبيرة وسجلت اهدافا مؤثرة مزقت شباك الساسة العراقيين والطبقة السياسية التي تتحكم بمجريات المسار السياسي وتدير دفة اللعبة السياسية في العراق الجريح اذ حول العراقيون التهديدات والتحديات التي مثلتها مخاطر انفلات الوضع الامني وتصاعد تهديد تنظيم داعش الاجرامي حولوها الى فرص لمغادرة مستنقع الواقع العراقي منذ عقود لصناعة مستقبل جديد.
مقدمات ومؤشرات تشكيل حياة سياسية جديدة على اسس وطنية سليمة وموضوعية يجب أن يتم قبلها وضع النقاط على حروف الازمات وحل حزمة المشكلات البنيوية العراقية وتفكيك عقدها بصورة جذرية كضرورة حتمية للتأسيس لحياة سياسية صحية خالية من الفايروسات الطائفية والامراض الحزبية والغايات الذاتية والاجندات الخارجية، هذه المقدمات بدأت تبرز وبشكل متصاعد مع انكشاف طرفي الازمة والصراع في العراق وانتماء كل طرف من هذين الطرفين لمحور اقليمي وعالمي متناقض مع اهداف وغايات محور اقليمي وعالمي آخر ما يعني حتمية حصول عملية التغيير الحقيقي في العراق وليس التغيير الشكلي كما جرى بصورة محدودة وسطحية بعد كل عملية انتخابية تم فيها مصادرة ارادة الناخبين بصورة غير مباشرة عن طريق خطابات التحريض والتخويف الطائفي والتعبئة المذهبية من خلال وسائل الاعلام التي تمتلكها السلطة او الاحزاب المهيمنة على المشهد السياسي شيعية كانت ام سنية ام كردية ومن خلال حصر المنافسة الانتخابية بين مجموعة من الاحزاب والقوى السياسية الطائفية والقومية التي احتكرت نسبيا مواقع التأثير والسيطرة وادوات الاعلام.
قد نكون إما على اعتاب تغيير دراماتيكي وغير متوقع – وهو الارجح - خلال الاشهر القليلة القادمة يتم من خلاله تعديل المسار السياسي العراقي والامر مرهون بتطور الاوضاع والاحداث الامنية والميدانية وانعكاساتها السياسية ودرجة وطريقة التدخل الاميركي الناتوي واسلوب التعاطي معه من قبل القوى الوطنية والمقاومة للحضور والتدخل الاجنبي في العراق، وإما امام تغيير بعيد نسبيا إذ قد تطول المدة الى حين حلول موسم الانتخابات البرلمانية بعد ثلاث سنوات يتواصل خلالها النزول التدريجي للقوى الرئيسية المهيمنة على المشهد السياسي في البورصة الشعبية والسياسية ويتواصل بالتزامن معه – كما هو حاصل منذ عام 2003 – التصاعد التدريجي للقوى الوطنية والمقاومة التي باتت القوة الفعلية التي تتحكم بخط سير المعارك وتؤثر في توجهات ومواقف الجماهير و تصنع السياسة.