وأخيراً رحل زيوس!!
  •  

    تتنامى عمليات الإرهاب، وتتسع مسارح موت الإنسان في العراقِ وسوريا، وتسبى النساء وتباع في أسواقِ النخاسة، فضلاً عن تعرضهن إلى الاغتصابِ ومختلف أشكال العنف النفسي والجسدي، إضافة إلى تزايدِ أعداد الفارين والنازحين الذين فرضت عليهم ظلامية الإرهاب ترك مساكنهم وممتلكاتهم في مسعى قد يكون غير مجدٍ للبحث عن مأوى آمن في ظلِ الخشية من مواجهةِ أيام عصيبة كلما اشتدت قساوة الظروف المناخية التي اتضحت بعض ملامحها بفعل تأثير الأمطار التي تعرضت لها خيام النازحين بشمالي البلاد خلال المدة الماضية.

     

    في هذا الوقت العصيب الذي تتخلله مشاهد غاية في البؤسِ والألم، أعلن في الولاياتِ المتحدة الأمريكية رسمياً عن موتِ المدلل ( زيوس )، تاركاً خلفه تأريخ حافل بالشهرةِ، وبصمةً مؤثرة وممزوجةً بمسحةِ حزن في قلوبِ محبيه، فكان أن انشغلت الصحف والقنوات الفضائية المحلية والإقليمية والعالمية بهذا النبأ الكارثة الذي فاق بأهميتهِ مجريات أزمة خليج الخنازير التي أفضت إلى غزو عسكري بحري وجوي شنته الولايات المتحدة على كوبا عام 1961 م، بهدف إسقاط النظام الكوبي، وربما الوقائع المرتبطة بعمليةِ انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي نهاية القرن الماضي، ولم يتبقى من مظاهر الأسى غير إعلان دول العالم رسمياً الحداد.

    زيوس لمن لا يعرفه، ما هو إلا كلب عملاق دخل قبل عامين تأريخ البشرية من أوسعِ أبوابه الفضفاضة، حين قدر له الانضمام إلى قائمةِ المشاهير والأحداث الغرائبية في مؤسسةِ ( غينيس ) العالمية للأرقام القياسية؛ بالنظرِ لتمتعهِ بمزايا خاصة تتجسد بخروجِ طوله وارتفاعه عن المألوف، حيث أن مواصفاته التي أقل ما يقال عنها وصفها بالخارقة، أفضت إلى استغرابِ الناس وإثارة استبيانهم عن كونِ ( زيوس ) حصان أم كلب بسببِ ضخامته وترهله غير المعتاد في هذا الصنف من الحيوانات.

    هذا الكلب أبن الكلب حتى ينقطع النفس، يعد أضخم كلب في العالمِ حتى كتابة هذا العمود، حيث بلغ وزنه ما يقرب من إحدى وسبعون كيلو غرام، فضلاً عن تسجيلِ طوله رقماً كبيراً يفوق المترين، أما ارتفاعه فقد وصل إلى أكثرِ من مترٍ ونصف تقريباً. وبعد أن أدرك الموت هذا المخلوق الغريب في ولايةِ ميشيغن الأميركية عن عمرٍ يناهز ست سنوات، أسدل الستار عن آخرِ عمالقة العصر المسجلين رسمياً في سجلاتِ الجهات المعنية بشؤون الحيوانات.

    العالم المتقدم الذي ملئ إعلام ضجيجه حول حقوق الإنسان فضاءات الدنيا، مشغول هذه الأيامِ بموتِ كلب مشوه، وغير آبه بما يتعرض له الإنسان من أفعالِ الإرهاب، وما تجيزه له شرائعه التي من بينِها التكفير والقتل بدمٍ بارد، والعبث بالبلداتِ والمناطق، وإراقة الدماء، وتهجير السكان بعد إذلالهم وسلب ممتلكاتهم، إضافةً إلى نساؤهم وشبابهم، ولم تسلم من شدةِ ظلاميته حتى قبور الموتى، فضلاً عن تنامي تمدده بنهمٍ سعياً في نهبِ ثروات البلدان وتوظيفها في تدعيمِ قدراته، وتعزيز صفوفه، إلى جانبِ تدمير الإرث الحضاري والتأريخي، وقتل الإبداع الثقافي والإنساني، ما يعني استثناء المجتمع الدولي من مهمةِ مواجهة الإرهاب ولوذه بالصمت، إلا أن العتبَ ينصب على الإعلامِ الملتزم الذي أغفل أو تجاهل مآسي الإنسانية التي أدى إليها الإرهاب، فنأى بنفسهِ عن هذه المهمة النبيلة، لينشغل بمشاطرةِ المجتمع الدولي في البحثِ عن أتفه المسائل التي في مقدمتِها تفاصيل قضية زيوس، ولا غرابة في ذلك إذا ما تأكد لنا أن الضميرَ الإنساني يشاطر ( زيوس ) في رقدتهِ الأبدية.

    في أمان الله.