صرح المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجائي، لوسائل الإعلام الإيرانية، بأنه لا يزال محظورا عليها ذكر اسم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، أو نشر تعليقاته أو تصريحاته أو صوره. إنه أمر يتعذر تصديقه، أن يجري حظر نشر أخبار وصور الرئيس الأسبق خاتمي في إيران! وأصبح لزاما على وسائل الإعلام عدم نشر أي أنباء عنه - هذه حقيقة وليست شائعة! لقد سألت نفسي: هل نعيش في مثلث برمودا جديد؟ هل ترغب الحكومة الإيرانية حقا في إقصاء خاتمي عن جميع وسائل الإعلام؟ في إطار ما يمكن أن نطلق عليه «مثلث برمودا» صنع القرار في إيران، صدر هذا القرار بالفعل بخصوص خاتمي. وغني عن القول أن خاتمي اختفى بالفعل من شاشات التلفزيون الحكومي منذ أكثر من عقد. وقال غلام حسين محسني إيجائي، وزير شؤون الأمن السابق والمتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية، والذي يحمل لقب حجة الإسلام، في 16 فبراير (شباط) الحالي، إن مكتب المدعي العام بطهران أصدر قرارا يحظر أي ذكر لخاتمي في وسائل الإعلام الإيرانية. وقال إيجائي: «هناك أمر بحظر نشر صور وتقارير حول هذا الشخص في وسائل الإعلام»، في إشارة لخاتمي من دون ذكر اسمه. اللافت أنه عمد لإغفال اسم الرئيس الأسبق خاتمي! ويعني ذلك أن إيجائي بدأ بالفعل في تطبيق الحظر خلال تصريحه، ليدشن بذلك حقبة جديدة من الرقابة والقيود. وتشير أقاويل إلى أن جميع رؤساء الصحف الإصلاحية جرى استدعاؤهم من قبل المدعي العام بطهران لإخطارهم بأن نشر أي معلومات بخصوص خاتمي سيجعلهم عرضة للمحاكمة. لدينا في إيران نكتة شهيرة تقول بأن شخصا ذهب للمدينة وكان الجليد يكسو كل شيء والجو في غاية البرودة.. وفجأة أحاطت به مجموعة من الكلاب وانطلقت في النباح.. وحاول الرجل التقاط حجر للدفاع عن نفسه، لكنه فشل لأن كل شيء كان متجمدا بما في ذلك الأحجار، مما جعله عاجزا عن فصل الحجارة عن الجليد. وهنا قال: «يا لهم من أناس غريبي الأطوار، فهم يطلقون الكلاب ويجمدون الأحجار»! وبينما عجت بعض الصحف الراديكالية بالانتقادات والتقريع لخاتمي باعتباره عميلا للولايات المتحدة ومعاديا لقيم الثورة، لم يقدم أحد على منع هذه الصحف! هذه قصة عجيبة في بلادنا، ذلك أن الأفراد الذين يتمتعون بمناصب تفوق حقيقتهم وقدراتهم وقيمهم يرغبون في ويسعون إلى التخلص من الآخرين الذين يتفوقون في حقيقتهم وقيمهم على مناصبهم. بمعنى آخر أنه في إيران هناك الكثيرون للغاية في السلطة يجلسون على مقاعد أكبر منهم بكثير. يقال إن أنوشيروان، الملك الإيراني الشهير، سأل رئيس وزرائه، بوزارجومهر: «كيف ستُدمَّر بلادُنا؟»، فأجابه: «عندما تولي الأفراد الرخيصين في مناصب عظيمة، وتبعث الأشخاص المرموقين للسجن!.. أو تبقيهم منشغلين في وظائف ضئيلة!». في أبريل (نيسان) 2010، عندما واجه خاتمي مشكلة في السفر إلى اليابان لحضور مؤتمر، نصحته الشرطة بعدم مغادرة إيران. وقال محام يمثل الرئيس الأسبق، والذي يعارض النظام الإيراني علانية، إنه لم يكن هناك قرار بمنع السفر، وإنه تم «نصحه» فقط من جانب مسؤولين حكوميين بالتخلي عن فكرة السفر. وقال محمود علي زاده طبطبائي: «لم يصدر أي أمر يحظر على خاتمي مغادرة البلاد»، مضيفا: «لقد تقرر إلغاء زيارته لليابان بناء على نصيحة من كيانات معينة (حكومية)، ولكن لم يتم اتخاذ قرار بمنع خاتمي من مغادرة البلاد». وكان خاتمي قد دعي لحضور المؤتمر الذي انعقد بمدينة هيروشيما اليابانية. وخلال القمة، أصدر رئيسا الوزراء السابقان السويدي والكندي بيانا أعربا خلاله عن اعتراضهما، داعيين الرئيس محمود أحمدي نجاد لرفع القيود عن سفر خاتمي. وقالا في البيان: «إننا نعترض بشدة على هذا القيد المفروض على حريته». وأضافا: «إن الحوار الدولي والتفهم المتبادل يمثل أهمية محورية بصورة خاصة في ما يتعلق بقضية جوهرية مثل نزع التسليح النووي، لأن إيران من المشاركين البارزين في هذا النقاش». المعروف أن خاتمي واجه انتقادات حادة من جانب الحكومة الإيرانية لدعمه المرشح الرئاسي مير حسين موسوي خلال انتخابات عام 1988 المثيرة للجدل. ومنذ ذلك الحين، دعا خاتمي لإطلاق سراح مئات المتظاهرين المحتجزين لمشاركتهم في مظاهرات ضد الحكومة. وعندما أطلق سراح إصلاحيين من السجون، كان خاتمي (ولا يزال) أول من ذهب لتهنئتهم في منازلهم. ونشرت العديد من المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي صور وأخبار هذه اللقاءات. علاوة على ذلك، انتقد خاتمي تعامل الحكومة مع النقد والمعارضة منذ دفعت المخاوف بخصوص نزاهة الانتخابات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع. وفي أعقاب مظاهرة ضخمة في إيران عام 2009، كانت خطيئة خاتمي الكبرى أنه لم يندد بالمظاهرة. أما الحكومة فوصفت المظاهرة بأنها «فتنة»! وشرعت صحف حكومية في توجيه الانتقادات لخاتمي باعتباره زعيم «الفتنة»! وأصبح يجري التعامل معه وكأنه أكل من الشجرة المحرمة، وبالتالي بات من الضروري طرده من وسائل الإعلام. أما خطيئته الثانية فدوره المحوري في الانتخابات الرئاسية الماضية، عندما دعم بقوة حسن روحاني. خلال الانتخابات الأخيرة بات واضحا أن أصوات الإصلاحيين تبلغ خمسة أضعاف أصوات الراديكاليين، وهو أمر تعذر على أي راديكالي في إيران تقبله. وكان الراديكاليون يدركون أن خاتمي يضطلع بدور أشبه بصانع الرئيس! ومنذ الأسبوع الماضي نواجه حركة كبيرة عبر «فيسبوك» و«تويتر» والعديد من المواقع الإلكترونية المختلفة، جميعها تدعم خاتمي. ونشرت مجموعة بارزة من العلماء والباحثين بمدينة قم بيانا نددوا خلاله بحظر ذكر اسم خاتمي وأخباره وصوره من جانب السلطة القضائية. وأعلن الكثير من الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي «إننا سنصبح إعلام خاتمي» بعد الحظر الإعلامي الذي فرض عليه. وفي تحد للقرار، بدأ مستخدمو «تويتر» في نشر صور وأخبار خاتمي، مع إبداء البعض دعمهم له.
|