- اصبح المجتمع العراقي بعد العام 2003 مجتمع استهلاكي وبدون اي انتاج يذكر ،وبالتالي اصبحت ميزانية البلاد معتمدة كليا ً على ايرادات بيع النفط (أكثر من 95% من إيرادات العملة الصعبة من النفط ) ، ومع ان أسعارالنفط الممتازة قد خدمت العراق في هذا الأتجاه ، غير ان استغلال أمثل لهذه الفرصة لم يحدث ،واستمر العراق يعتمد على طريقة القول في المثل الشعبي ( إصرف ما في الجيب يأتيك مافي الغيب ) ،ولكن ليس على طول الخط تسلم الجرة ،كمايقال ،فاسعار النفط عادت لتهبط مرة أخرى وفي ظرف صعب جدا ً حيث تحتل عصابات داعش الأرهابية أجزاء واسعة من أرض العراق ، وأصبح قادة البلاد بين المطرقة والسندان ، بين انخفاض الأيرادات الخارجية وبين الحاجة الى الموارد ،وبدءوا يفكرون بتنفيذ اجراءات ستفقدهم ثقة الشعب وقد تجر الى نقمة لاتحمد عقباها . فرصة ممتازة واستثمار سيئ : واضح ان الظروف خدمت العراق في السنوات الماضية ،غير ان هذا لايعني انه استثمر هذه الظروف بصورة حسنة ، فقد ارتفع الأنتاج النفطي بشكل متصاعد منذ العام 2003 ففي وقت كان لايتجاوز 1.4 مليون برميل في اليوم فقد أصبح في العام 2011 يبلغ 2.1 مليون برميل يوميا ً، وليس هذا فحسب بل ان ذلك التصاعد في الكم رافقه تصاعد في سعر البرميل ففي وقت كان سعر برميل نفط البصرة يبلغ 23.32 دولار فأنه قفز قفزات كبيرة حتى بلغ 106.17 دولار عام 2011 ،وهذا أعطى مرونة واسعة للتوسع بالميزانية الى ارقام كبيرة فمن 6.1 مليار دولار أصبحت عام 2013 ميزانية ضخمة زادت على 118 مليار دولار ، لو استغلت بالصورة المثلى لكانت قد اوجدت فروق كبيرة وظاهرة على بناء واعمار العراق وعلى رفاهية شعبه . غياب كامل للأنتاج المحلي : وبأعتراف الجميع فأن الفترة الماضية شهدت غياب كامل للمشاريع الأنتاجية سواء الصناعية أو الزراعية أو السياحية او التجارية ،فالمنشآت الضخمة التي صرفت الدولة ملايين الدولارات لأنشائها واعداد كوادرها اصبحت عبئا ً ثقيلا ً على كاهل الدولة ،اذ لاتملك ان تسد رواتب موظفيها ولم يحدث أي تحديث لمكائن هذه المنشآت لتتوائم مع الزمن وتستطيع منتجاتها المنافسة مع السلع المستوردة التي يمتلئ بها السوق ،في تصرف لايعرف ما المقصود او ما الحكمة منه ! أما الزراعة فقد أهملت بالكامل وأخذ العراق يستورد من دول الجوار حتى السلع البسيطة بعد ان تعرضت المصانع التي تعتمد المواد الزراعية والحيوانية كمواد أولية الى التدمير ، وبعضها فككت ونقلت بالكامل الى دول مجاورة ،وأهمل كل ما يتعلق بالزراعة من مشاريع زراعية وإروائية وترك الفلاح لحاله بدون اي تشجيع أو حافز وبالتالي فأننا نشتري بملايين الدولارات المنتجات الزراعية والأجبان والألبان من دول الجوار ولكننا لم ننشأ مصنعا ً واحد لأنتاج هذه المواد محليا ً رغم توفر المادة الأولية ،وكمثال واضح على ذلك فأن العراق كان البلد الأول في عدد النخيل وبالتالي في انتاج التمر ، ولكنه اليوم يتراجع في هذا المجال ليستورد التمر من دول كانت بالأمس توصف على انها صحراوية مثل السعودية والأمارات وغيرها ،وهذا ينطبق على الثروة الحيوانية والتي يمتلك العراق ثروة ضخمة منها كما ان ظروف تربيتها متوفرة غير اننا نستورد قوتنا اليومي مما يجاورنا من دول . اما الموضوع المؤلم كثيرا ًوهو الجانب السياحي والذي يعتبر العراق في طليعة دول العالم من حيث أعداد الوافدين ،حيث تتنوع المواقع السياحية فيه بين السياحة الدينية والأثارية والطبيعية ،غير ان استغلال جيد لهذه الموارد غير موجود إطلاقا ً وتكاد تجري بصورة عشوائية غير مرتبة او مسيطر عليها بما يطور هذا الجانب ويجعله ركنا ً من أركان الميزانية العامة للبلاد . وفي عجالة نستعرض بعض الأفكار البسيطة التي تبتدأ بها الدولة لوعملت بحسن نية وضمير في طريق التخطيط للمستقبل والذي يكون مختلفا ً من حيث اعتماده برامج طويلة الأمد من أجل الأكتفاء الذاتي وليكن في معلوم السياسيين الذين بيدهم تصريف الأمور اليوم ،ان لااستقلال سياسي بدون استقلال اقتصادي : - استغلال شواطئ نهري دجلة والفرات في مشاريع سياحية وترفيهية تفيد المواطن وتعود على الدولة بموارد كبيرة . - استغلال المساحات الشاسعة من الأراضي المتروكة وتوزيعها بالأيجار الطويل أو الأستثمار أوالبيع شريطة استغلالها في مشاريع عامة تعرض مبدئيا ًوتوافق عليها لجان البيع . - استغلال الطاقات الشبابية الهائلة المتوفرة في العراق ،حيث ترتفع نسب الأعمار الشبابية بشكل ممتاز، في عمليات البناء والأعمار وفق تخطيط مبرمج وبتوفير حوافز العمل المناسبة ،والحد من دخول العمالة الأجنبية غير الماهرة والتي تقدر بمئات الألوف والتي تأخذ عملة صعبة ببدون فائدة واضحة كون ممكن تعويضها من العمالةالعراقية . - تخطيط وانشاء مدن جديدة بالقرب من المدن الحالية ،توزع فيها اراضي للمواطنين بمبالغ معقولة مع انشاء وتوفير الخدمات اللازمة لها ،فيما يقوم المواطن ببناء داره بأمكانياته وبالطريقة التي تعجبه . - الأنتاج الزراعي مثل القمح والشعير والذرة والرز والتمور والقطن والفاكهة والخضروات والتي ستتم ببعض الحوافز البسيطة للفلاح مثل وعود بشراء الحاصل بنفس الأسعار التي نستورد بها هذه السلع من الخارج الأن ، وبالتالي سنشجع الأنتاج المحلي وسنحافظ على العملة المحلية . - صيد الأسماك ،حيث يمكن بتسهيلات بسيطة إقامة بحيرات طبيعية وصناعية، وخاصة في اهوار الجنوب التي يجري فيها الصيد بشكل غير منظم وبدون اي تربية وإكثار للأنواع المرغوبة من الأسماك . - استغلال الغاز الذي يهدر حاليا ً بدون اي فائدة ،حيث يحرق هباء خلال ابار النفط . - العمل على تفعيل الأستثمار لأقامة مصافي الوقود ،فمن غير المعقول ان يكون العراق من البلدان النفطية الكبرى وهو يستورد المشتقات النفطية . - تفعيل استغلال أنواع المعادن المنتشرة في عموم العراق كالفوسفات والزئبق الأحمر واليورانيوم والكبريت وغيرها . - العمل على العودة بالصناعة العراقية الى سابق سمعتها الحسنة ،والأهتمام بالمنشآت الحالية وتحديثها والتوسع الى مجالات حديثة عصرية من الصناعات . - الحد من هجرة رؤوس الأموال العراقية الى الخارج والتي هي من الضخامة ،بأعتراف السادة المسؤولين، تعادل ميزانية بعض الدول المجاورة . وهذه الأموال مؤثرة سلبيا" في الأقتصاد العراقي ،غير انها يمكن ان تكون مؤثر ايجابي لو أستغلت داخل البلاد . - الأهتمام بالمشاريع التي تفيد الناس في مناطق الأهوار الشاسعة ،كالسدود الزراعية ومعامل تجميع الحليب ومرافق تربية الحيوانات وبحيرات الأسماك وغيرها مما تختص به تلك البيئة ويدر على اهلها ما يفيدهم ويسند الحالة المعاشية المزرية التي يعيشونها . - الموافقة على اقامة مجسات تسند عملية التخطيط في كل محافظة ، وما سمته منظمة العمل الدولية ( وحدات التنمية الأقتصادية ) ،وقامت بأختيار عناصر كفوءة من أبناء كل محافظة ،وادخالهم ورش عمل وبرامج تدريبية على مدى سنتين في لبنان واربيل واسطنبول ،غير أن هذه الوحدات لاتزال تواجه بالرفض من الحكومة العراقية ومن وزارة التخطيط التي تعتقد أنها قد تؤخذ عملها وتنافسها فيه . يتصور البعض ان زيادة العائدات النفطية ستكون كافية لسد أحتياجات العراق المستقبلية وهذا خطأ واضح ،فلو أخذنا توقعات وكالة الطاقة الدولية التي تقول ان العراق سوف يكون قادرا ً على تصدير 4.4 مليون برميل يوميا ً عام 2020 م ، وهذا طبعا ً عند توفر الظروف الطبيعية والأستقرار الأمني ، فأن هذه الزيادة لن تكون بذات أهمية كون نفوس العراق ستزداد أيضا ً الى أكثر من 40 مليون نسمة . على واقع الفوضى الحالية لن يكون هناك امل في تعافي الأقتصاد العراقي حيث تنتشر الشخصانية والرشى والفساد حتى في الجهات الرقابية التي كان من اكبر الأخطاء تعددها وجعلها واحدة فوق الأخرى مما زاد من مساحة الفساد والترهل الوظيفي . غير ان الأمل دائما ً معقود بالقيادات التي تمتلك الكفاءة والشجاعة والتي تتخذ قرارات ثورية قادرة على النهوض بالواقع العراقي .
|