عد سقوط النظام السابق مباشرة تصاعدت حدة اصوات العلمانيين وبشكل واضح ومؤثر في الشارع العراقي حتى خيل الينا ان العلمانيين هم قوة المستقبل وبناة العراق الجدد وساعد على انتشارهم توسع حرية النشر والمعتقد وتعاظم دور الصحافة والانترنت والثقافة الشعبية وكان الشباب نواة الحركة العلمانية الجديدة في العراق ان جاز التعبير! واسهمت الانتخابات المباشرة في زيادة مطالبة الشارع بصعود قوى مستقلة ومتطورة فكريا بعيدا عن النفوذ الحزبي الديني، غير ان حسابات البيدر لم تتوافق مع اماني الناس واللعبة الدولية والاقليمية التي ساعدت في دفع الاحزاب الدينية والطائفية الى مسك السلطة وبالتالي حرمان القوى العلمانية من فرصة التعبير السياسي والسلطوي! وكان من المؤمل ان يشكل الماركسيون والشيوعيون والمتنورون المستقلون جبهة فكرية عريضة وواسعة لانقاذ الوطن من نكسة ايديولوجية جديدة، لكن الاوضاع في العراق كانت تسير في اتجاه آخر يتناقض تماما مع شعارات الحرية والسلام الاجتماعي وبناء غد افضل، وزاد الطين بلة اننا فشلنا في المراهنة على مواقف بعض المثقفين والادباء "التقدميين!!" الذين ركبوا الموجة الطائفية والعنصرية كاسرع طريق للثروة والجاه والشهرة، وتحول هذا النفر "المثقف!" للاسف من معسكر تقدمي ثوري وعلماني متنور الى نسيج ظلامي كالح لا فائدة منه ابدا!! تلاشت اصوات العلمانيين بعد تعاظم ظاهرة الاغتيالات وكواتم الصوت والخطف، بينما كان المطلوب منهم ان يكونوا في مقدمة المتصدين لعصابات تكميم الافواه ومصادرة الحرية الفكرية وتحولت اعداد كبيرة من العلمانيين الى الظل وفرغت الساحة الجماهيرية من تأثيراتهم للاسف! وبرغم تزايد نفوذ الصحافة والاعلام والفضائيات بعد عام 2003 الا اننا لم نعثر على حضور العلمانيين في أي وسيلة إعلامية أو نشاط أدبي وفكري وأعطوا انطباعا من خلال عزلتهم الجماهيرية ان الحزب الشيوعي هو الممثل الحقيقي لتيار العلمانيين بينما واقع الأمر ينفي هذا الترابط، فلا علاقة لا من قريب أو من بعيد بين العلمانية والشيوعية، وخسر العلمانيون جولات كثيرة كان من المؤمل أن ينتهزوها بسبب الإحباط النفسي الكامل للجماهير من فشل الإسلاميين كافة في قيادة العراق ويتحولوا إلى رواد مثاليين في الفكر الناضج لكسب الجماهير والانتقال بهم من فكر إلى آخر أكثر إشعاعا ونموا ونضوجا ومقبولية في عصرنا الحديث! يجب الاعتراف أن بعض الكتل الإسلامية نجحت إلى حد ما في تشويه سمعة العلمانيين، كما أن قسما من العلمانيين الشكليين والسطحيين أسهموا في تشويه صورة العلمانية في العراق أيضا، حتى بدت العلمانية قرينة للإلحاد والتفسخ الأخلاقي واللا دينية، بينما واقع العلمانية ليس هذا أبدا كما هو معروف ومتداول عراقيا منذ وقت ليس قصيرا ! ومن المؤسف القول بصراحة إن العلمانيين في العراق غير شجعان في مواجهة خصومهم فكريا وتخوفهم من التسقيط السياسي.. العلمانية حركة فكرية وأخلاقية ونظرة استشراف ايجابية للمستقبل ولا تتحارش من قريب أو بعيد بمعتقدات الآخرين وتراثهم الشعبي.. المطلوب يقظة سريعة للعلمانيين من غفوتهم وإلا سينحدرون بقوة إلى القاع مع السيول التي صارت تجرف بالأفكار والمواقف الإنسانية منذ أكثر من (12) سنة بالتمام والكمال!
|