المال من مصادر التغيير الأجتماعي ح1


تكلمنا في الفصل السابق أن تغيرات المجتمع النامي وتحولاته من سطوة وسيطرة وسلطان الأب في مرحلة النشأة الأسريسة الأولى إلى سيطرة الزعيم في مرحلة القبيلة والقرية والمشيخة ترافقا أساسا مع محدد القوة ومظهرية هذه القوة ومكوناتها الأساسية التي تعتمد أولا على ترتيب القاعدة الأجتماعية الأولى في الأسرة حينما فرض الزوج السيطرة على الأسرة لأنه الفاعل الوحيد والمصدر الأساسي لتوفير مقومات البقاء والديمومة .
هنا أمتلك الرجل غالبا وفي بعض المجتمعات تكون الأم هي من تقوم بتوفير هذه المقومات فيحتفظ الفاعل هنا بحق السيطرة وبحق الإدارة والتوجيه بما فيها حق القرار الأخير أعتمادا على مقدار ما يوفره من أسباب وأساسيات للأسرة ,لقد بنى المتحكم الفاعل سواء أكان رجل في المجتمع الذكوري (الأب) أو الأنثى الأم في المجتمع الأمومي ,ما يعرف بحق التقرير والتشريع للقاعدة الأجتماعية ليجعلها أحد أهم مرتكزات المجتمع والتي تكتسب الأحترام والتقليد مع رسوخها ورسوخ أصل الفكرة.
صحيح أن منظم أو منشيء القاعدة أعتمد على العنصر المادي ولكن ليس بمعنى كونه مال , لقد أستغل الحاجة للضروري داخل الأسرة لينشئ قاعدة أجتماعية وقبل أن يعرف المال ,إنه ينشئها أعتمادا على مبدأ القوة والقدرة الذاتية التي يمتلكها لتأمين هذه الحاجات, فكل ما بني بعد ذلك مستمد شكليته وتكيفه من أساس القاعدة الأجتماعية الأولى التي تنص على (على الفاعل صاحب القوة أن يقوم بتأمين الضروريات من مصدرها الطبيعي مقابل أن يلتزم الأخرون بحق الفاعل أن يكون صاحب القدر الأكبر والمحترم في فرض شروط القاعدة الأجتماعية اللاحقة) ,هذا العقد الأجتماعي الأول نشأ طبيعيا وفطريا وأستجابة لضرورات العيش بشكلها المادي وبأطارها المعنوي .
أنتقال المجتمع من أطارة النووي مجتمع الإسرة إلى مجتمع العائلة الكبير لم تتغير قواعد التنظيم الأجتماعي ونشوء قواعده وبقيت محصورة عند رب العائلة الأكبر التي تنحدر منه أو ترتبط به الأسر الأصغر مع تغيرات بينية فيما يتعلق بنشوء قواعد يفرضها التعامل اليومي ولكن يجب أن تحصل على موافقة أو رضا رب الأسرة وإلا جوبهت بالرفض والإبعاد تحت مسميات العب والحرام واللا يجوز ,وصولا إلى مجتمع العشيرة أو القبيلة نرى أن النظام بذات الجوهر مع إزدياد القوة والسلطة للزعيم القبلي بذات القواعد والتي من خلالها كون رأس مال عن طريق فرض حصة أو نسبة محددة له مقابل زعامته من جهد وتحصيل ومكاسب العشيرة .
هذا العقد الذي يبدو جديدا في شكله هو ذات العقد الأسروي حينما يكون رب الأسرة الكبيرة والعائلة المتفرعة يعيشش على جهود الأبناء والأحفاد ويستوفي حصته أو ما يسمى حقه الطبيعي منهم معتمدا على مبدأ الأحترام الذي زرعه بالعقد الأول ومقابل أن يتفرغ للإدارة والتوجية وممارسة الضبط والربط الأجتماعي , هنا ظهر رأس المال لأول مرة وظهر مبدأ التثمير له نتيجة قواعد أجتماعية قديمة صاغت فرصة تواجده وتكييف تكوينه وفرضه .
لأول مرة نجد ظهور مهم وفاعل لدور رأس المال حين تتحول منظومة القيم الأجتماعية من مجتمع الأسرة الكبيرة المتكاثرة (عشيرة أو جزء من قبيلة) إلى مجتمع قرية لا تمانع أن تساكنها مجموعات من أفراد تنتقل للعمل والمشاركة والسكنى أو أنها متواجدة أصلا أو متحالفة مع العشيرة في نظام يعتمد على مبدأ العمل أكثر من مبدأ الأنتماء , في مجتمع القرية العائلة نرى أن الروابط الأجتماعية وإن كانت تحمل نفس القوانين والجذور إلا أنها وللضرورات تمنح غرباء عنها حق المشاركة في الملكية والعمل وبالتالي حتى حق المساهمة بصياغة أي قواعد أجتماعية جديدة .
التبدل الحقيقي هنا تم عبر تبدل أساس الأرتباط الأجتماعي من كونية رب العائلة إلى كونية الزعيم أو الرأس المدبر وتبقى نفس الأشتراطات القديمة وحقوق الزعيم في الحصول على النسبة من التكسب العام للمجتمع والأستحواذ عليه تحت نفس المبررات مما يؤدي مع التوسع في الكسب والعمل على تراكم المال ورأس المال الذي في أغلب الأحيان يكون الأرض التي تعط ريعا بالتثمير لكنه لا تبني أستثمار حقيقي إلا ببطء شديد وأحيانا معدوم .
توفر المال بيد الزعيم القبلي القروي لا يحدث تغيرات مهمة في البنية الأجتماعية والأقتصادية ولكن من جهة أخرى يزيد من الشعور بالقوة والسلطانية التي تدفع للتوسع الأفقي نحو أما شراءأراض جديدة أو محاولة أثارة نزاعات مع الأخرين لغرض الأستحواذ على أراض جديدة, الرأس المال الحقيقي الذي ينمو في ظل هذا المجتمع هو الذي ينتج عن الخبرات الفنية والمهنية المتعلق بالزراعة والتي تعد من الضروريات التكميلة والتي عادة ما تقدم من خارج مؤسسة الزعيم .
وحدها طبقة الحرفين هي التي تستفيد من التوةسع الأستثماري في قطاع الزراعة وملحقه الطبيعي التربية الحيوانية والصيد النهري من خلال تأمين أكبر قدر ممكن من الحاجات المتعلقة بالأنتاج الزراعي والحيواني وأيضا ما يتعلق بالحاجات الإنسانية للعاملين بالقطاع أبتدأ من الزعيم وأنتهاء بأصغر عضو فيه .
هذه الطبقة من الأحتراقين هي مشروع أساسي للتحول التدريجي لمجتمع القرية المدينة وهم أعمدة النشاط الجديد وهم أبرز المساهمين في الرأسمال الأجتماعي الذي سيقود التحولات والمستفيد الأكبر منها , ليس لأنه يملك القوة والقدرة على الفعل ولكن لأن الطبيعة التطورية تتجه لصالحها والخاسر الأكبر على المدى الطويل هو مؤسسة الزعيم ,فيما نشهد إنقسام اليد العاملة الزراعية نحو البقاء في الأرض وخدمتها وأنضمام البعض لطبقة الحرفين الذي ستتحول إلى مفهوم أخر هم صغار التجار والكسبة الأكثر والأسرع نموا من بقية الفئات الأجتماعية .
هنا يمكننا أن نشير إلى مفهوم نجده مركزيا في النظرية الماركسية والمسمى فائض القيمة يتجسد بشكله الذي طرحه ماركس ولكن ليس بذات الصورة والألية , في مجتمع القرية المدينة عناك شبكة من العلاقات الأقتصادية ناشئة حديثا وتتسم بنوع من الأضطراب في ضبط حركتها لعدم تجذر القواعد المنظمة لها ,مثلا يرى ماركس أن التبادل السلعي لا يدر أرباح فإذا قام الكاهن برفع سعر الكتب فسيقوم المزارع برفع سعر الخضار , المزارع هنا ليس المنتج بل صاحب الأرض أو وكيله أو الحرفي الذي نشأ في ظل الزعامة القديمة, الربح الحقيقي الذي يجنيه صاحب الأرض والعمل هو من فائض قيمة عمل العمال والمزارعين، ولهذا يرى الماركسيون أن التطور التقني لا يخدم العامل بل يجرده من عمله