شعب فقير في بلد غني و السبب ؟ |
يحتل العراق المرتبة الثالثة عالمياً بعد السعودية و فنزويلا في إحتياطي النفط و يمتلك خامس أكبر إحتياطي للغاز الطبيعي في العالم . أما معدل الصادرات النفطية اليومية خلال كانون الأول عام 2014 فقد بلغ أكثر من 2.9 مليون برميل نفط حيث أعلن المتحدث باسم وزارة النفط إن معدل التصدير اليومي للنفط للشهر الماضي (كانون الأول ) وصل إلى مليونين و 940 ألف برميل يومياً وهو أعلى معدل للتصدير يسجل منذ عام 1980 . و مع ذلك فأن نسبة البطالة فقد تجاوزت 46% من عد سكان العراق خلال شهر شباط لهذا العام و هذا بحد ذاته يؤدي بدون أدنى شك إلى إرتفاع نسبة الفقر عند المواطنين و هذا ما أكده التقرير الدولي الذي نشرته محطة BBC البريطانية حيث كشفت في وقت سابق عن وجود ثلاثٍ وعشرين بالمئة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر . و لكن كثيراً ما يسأل المواطن العراقي نفسه عن هذا التناقض الذي لم يجد له جواباً منذ العشرات من السنين . طبعاً هناك المئات من الاسباب منها ما يكون طافياً على السطح من السهل إكتشافه و منها ما يغور تحت الأعماق لا يمكن إكتشافه إلا بالتنقيب و البحث الدقيق . في الحقيقة هناك الكثير الكثير من المفارقات و التناقضات كثيراً ما يقوم المواطن العراقي بطرحها لكي يجد لها جواباً كافياً يقنع فيه نفسه و الآخرين حتى لا يقع في دوامة البحث و التشكيك و المتاهة و الضياع ، و في هذه المفارقات العجيبة يجد المواطن الجواب الكافي لكل الاسئلة و المعادلات الرياضية التي تحير ذهنه بين الحين و الآخر و عندما يجد الجواب أو السبب في مأساته فأنه سرعان ما يبدأ بالتذمر و الشكوى و ألسب و اللعن تارة و الإتهام و الهجوم المباشر و الغير مباشر تارة اخرى دون أن يصل إلى حل جذري للمشكلة أو بالأحرى المصيبة الكبرى التي حلت به .
فعندما يقف المواطن في طابور طويل لا نهاية له من أجل الحصول على قنينة غاز أو كالون نفط في بلد غني بالنفط و الغاز ، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إن هناك سبب و السبب هو الفساد سواء كان هذا الفساد اداري أو إجتماعي أو أخلاقي . و عندما يتخرج الطالب من الجامعة و ينال على شهادة البكالوريوس أو الماجستير و لم يجد أمامه فرص مناسبة للعمل و يضطر بعدها للعمل كسائق تاكسي أو ينخرط في سلك الجيش أو الشرطة ، فهذا هو عين الظلم و الفساد الإداري و الإجتماعي . و المفارقة العجيبة هي أنه عندما نجد كناساً للشوارع أو عربنجي قد تحول بين عشية و ضحاها إلى مدير ناحية أو محافظاً أو وزيراً لكي يثبت لنا بأن الفساد لا حدود له و إنه بحد ذاته داء ليس له دواء .
و عندما نجد نفس الشخص قد ظل في نفس المنصب لسنوات و لم يستبدل بأحد غيره ، فهذا خير دليل على الظلم و الفساد و الدكتاتورية .
أما المعاملات اليومية فحدث و لا حرج ...فعندما تكون لدى المواطن العراقي معاملة عادية روتينية يضطر عندها إلى مراجعة بعض الدوائر الحكومية فأن روحه قد تصعد إلى السماء و لن تعود أبداً (تطلع روحه ) و لن يتنفس الصعداء إلا بعد أيام أو شهور و ربما سنوات لكي يتم إكمال معاملته هذا إن كان من أولئك المحظوظين الذين يوجد لديهم بعض المعارف (الواسطة ) . هنا تلعب الواسطة دوراً كبيراً في كل شيء ، في التوظيف و في المعاملات و حتى في القضايا القانونية بما في ذلك الجنايئة . أما الرشوة فقد أصبحت كلمة السر العجيبة التي لا يمكن أن يستغني عنها أحداً و خاصة في القضايا المهمة التي تتطلب المزيد من الحذر و العناية القصوى .
أما مفارقة ايتام صدام و زمرته البعثية فما بوسعنا إلا أن نذرف الدموع و نطلق الحسرات عندما نرى بأم أعيننا كيف تم إعادة هذه الزمرة الارهابية و كيف تم انتشارها و منحها مناصب عالية مثلاً عندما نكتشف بأن هناك بعثي مجرم مخضرم قد أصبح وزيراً أو نائباً لرئيس الوزراء أو حتى برلمانياً يتحكم في مصير العراق و اوضاعه السياسية و الإقتصادية و الأمنية و غيرها . إذن هذه هي قمة الفساد الذي لا مثيل له.
أما عندما نجد بأن بعض الأدوية المهمة تباع في السوق السوداء و لايمكن أن يجدها المواطن في الصيدليات و عندما يصرف للمرضى أدوية فاسدة في العيادات و المستشفيات ، فهذا خير دليل على الظلم و الفساد . و في بعض الحالات الطارئة يذهب المريض إلى العيادة أو المستشفى لكي يبحث عن الطبيب لأنقاذ ما يمكن انقاذه و لكن بعد ساعات من الانتظار لم يأتي الطبيب إلا بعد فوات الأوان عندما يجد المريض قد فارق الحياة . و هذا برهان أخر على الفساد الإداري و الإخلاقي و إنعدام الجانب الإنساني لدى الكثير من الأطباء .
عندما تسقط الأمطار في فصل الشتاء ، يتجرع التلميذ العراقي هو الأخر المرارات و الآلام في سبيل الحصول على العلم الذي هو من حق كل إنسان في العالم . فعندما تصب الأمطار ، تتحول شوارع المدن إلى مستنقعات و برك آسنة مليئة بالمياه و الطين يضطر عندها التلاميذ لعبورها بملابسهم و أحذيتهم لكي يصلوا إلى مدرستهم ليجدوها هي الأخرى مليئة بالبرك و الطين و الوحل و الأسوأ من ذلك هو أن يضطر بعضهم للجلوس على الأرض لانه لا يوجد كراسي لهم في بلد النفط و الغاز و الخيرات . و هنا يتسائل المواطن : لماذا لا يتم صيانة و إصلاح شبكات الصرف الصحي التي غالباً ما تسبب في إنسداد المجاري و إنحباس مياه الأمطار في الشوارع ؟ لماذا يتم صرف المليارات من الدنانير على تلك المشاريع و لكن بدون أي فائدة تذكر؟ إذن الجواب المقنع هو الفساد الإداري .
عندما تسمح الحكومة بوجود شركات أجنبية أمنية تصول و تجول و تفعل ما تشاء و كيف تشاء ، فهذا هو عين الفساد . و عندما تحدث عملية إغتيال في وضح النهار و لم تحرك الحكومة ساكناً ، فهذه هي قمة الفساد . المواطن العراقي ما زال يتذكر الجريمة المروعة المعروفة بحادثة سبايكر التي تم فيها قتل ما يقارب من 1700 طالب من القوة الجوية العراقية بدم بارد بواسطة وحوش داعش الارهابية ، و مازال المواطن يتسائل بين الحين و الأخر عن رد فعل الحكومة العراقية و عما ستقوم به بشأن هذه الجريمة الوحشية . و لكن مع الأسف لم يجد المواطن إلا الكلمات الفارغة الخالية من المواقف و الافعال و الجواب كالمعتاد هو الفساد .
أما الفساد الموجود تحت قبة البرلمان فحدث و لا حرج . فعندما يغيب عضو البرلمان عن جلسات البرلمان لشهور أو حتى سنوات و لا يعاقب على هذا الغياب و اللامسؤولية، فهذا خير دليل على الفساد المستشري في أوصال العراق . و عندما يقوم أعضاء البرلمان بصرف رواتب و امتيازات لهم تعادل أضعاف أضعاف راتب المواطن المتقاعد العادي ، فأن هذا هو عين الفساد . المواطن العراقي لن ينسى بأنه خلال عام 2014 لم يتم إقرار الموازنة من قبل البرلمان و ظل الشعب العراقي بدون موازنة لسنة كاملة و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الفساد .
و عندما قامت داعش الارهابية و اخواتها بغزو الموصل و احتلاله بين عشية و ضحاها و لم تحرك الحكومة ساكناً لانقاذ الموصل من زمرة مرتزقة لا يتجاوز عددها حينذاك المئات من الافراد لا يملكون إلا الاسلحة المتوسطة و الخفيفة ، فهذا أفضل دليل على الفساد الإداري و السياسي و العسكري . و عندما تقوم قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا بأسقاط مساعدات عسكرية على مواقع الارهابين من الدواعش و لم تحرك الحكومة ساكناً بل تنكر ذلك ، فهذا هو الدليل الكافي لاثبات الفساد الإداري و السياسي .
و هكذا تبين لنا السبب الكامن وراء الفقر و البطالة في بلد النفط و الخيرات فلا عجب بعدما عرف السبب ، و بعدما وجدنا الجواب لكل المفارقات و الاسئلة التي طرحناها ما علينا إلا أن نقول : الله يجازي اللي كان السبب.
|