يبچي العزيز وحمس كلبي

“ندسني” صاحبي المصري لينبهني الى جمال فتاة جاءت مع أمها لتجلس في المقهى الذي التقينا به. قلت له اظنها عراقية يا صاحبي. رد علي بنيرة لا تخلو من زعل او عتاب: وهل الجمال حكر على العراقيات أم انك ترى لأنها جميلة فهي ليست مصرية مثلا؟ معاذ الله يا رجل، لأنه مجرد إحساس دبّ في القلب لا أكثر ولا اقل وقد أكون مخطئا فلا تتحسس. ما كدت انتهي من كلامي واذا بالأم تتقدم نحونا لتسلم علي وتعاتبني، مثل كثيرين غيرها، على سبب عدم ظهوري في الفضائيات لفترة طويلة. رفعت ابنتها الحلوة يدها لتحييني وهي بمكانها، فانبعثت بصدري نسمات عراقية مريحة لا يعرف وقعها على النفس إلا من أكل صدأ فراق بغداد من رئتيه ثلاثين عاما.
وعاد المصري ليسألني: بالله عليك كيف عرفت انها عراقية وانت لم تسمعها تتحدث ولم ترتد زيّا خاصا يميزها عن غيرها؟ عرفتها يا صاحبي من تعبيرها الصامت عن حزنها ومن تلك الدمعة التي تلمع في عيون نسائنا من دون نساء الأرض. انها دمعة من نوع خاص لا يعرفه إلا الراسخون في الحزن والهم العراقيين منذ أكثر من 4000 عام. أراد بلطفه ان يضحكني ويخفف من حزني على طريقته المصرية فقال:
"وكل حزين للحزين نسيب"
أبكتني نكتته، بدلا من ان تضحكني، فتأسف كثيرا. تمنيته، في تلك اللحظة، ان يرحل عني، أو أن أرحل عنه، كي أجترّ احزاني وحدي، لكن الأصول لا تسمح بالرحيل. استأذنته ان أغني بصوت خافت لنفسي:
يا صاح عودي ذبل وبكل دوه ما يصح
والدمع سال وجره من ناظري ما يصح
والنيب مثلي بحنينه لو صحت ما يصح
من حيث مصيوب ما بين الجوانب تبن
بمعــالــج الـروح ســري لو امـوتـن تبـــن
لا تنهضم للسبع لو صار علفه تبن
واليوم .. واليوم .. واليوم
حتى التبن علف السبع ما يصح
انهيتها بصرخة من دون وعي: يبچي العزيز وحمس كلبي
ظن المصريون أني قد أصابني مس من الجنون فقال الذي جنبي: لا إله إلا الله.
ما اسكتني إلا صوت العراقية الحلوة التي بكت بنشيج مرّ. خطت نحوي والدموع كما المطر:
عمّو فدوه دير بالك على نفسك. ارحمها الله يخليك.
وجاءت الأم فصرنا ثلاثة والعراق البعيد رابعنا. ننحب والغرباء ينادون: وحّدوا الله.