الحذر الحذر من خطة أمريكا لتحرير الموصل


"أكد مسؤول في قيادة المنطقة المركزية الأميركية أن خطة تحرير الموصل هدفها تحرير المدينة من تنظيم داعش في عملية برّية واسعة تبدأ في الفترة بين شهري أبريل ومايو المقبلين. وقال إن تنظيم داعش لم يعد قادراً على احتلال مناطق جديدة، بل يخسر مناطق كان يسيطر عليها، وإن قدرة التنظيم الإرهابي على قيادة عناصره أصبحت ضعيفة، ولم يعد قادراً على حشد قوات في منطقة من دون التخلي عن منطقة أخرى. لافتا إلى أن التنظيم وعلى الأغلب سيقوم بتعزيز عدد عناصره تحت تهديدات الهجوم على الموصل.
وأكد المسؤول في المنطقة المركزية أن العدد الأكبر للقوات التي ستقوم بالحملة يصل إلى 25 ألف جندي عراقي موزّعين على خمسة ألوية ستقوم بالهجوم فيما تتولى 3 ألوية دور الدعم والاحتياط، وتقوم ألوية أخرى بأعمال حماية الأمن بعد تحرير المناطق. وشدد المسؤول الأميركي على أن الخطة تسير بسرعة أكبر مما كان مخططاً لها، لكنه أشار إلى تحديات حقيقية تواجه هذه العملية. وتابع المصدر أنه ومن الناحية النظرية فإن قيام خمسة ألوية عراقية بقتال شوارع ضد التنظيم في الموصل سيرجح كفتهم.
من جهته صرح وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر تعقيبا على تصريحات مسؤولين أمريكيين الذين أدعوا بأن عملية استعادة الموصل ستتم إما بشهر ابريل/ نيسان أو مايو/ أيار المقبلين قائلا: من المهم أن تبدأ العملية في الوقت الذي يضمن نجاحها، والمهم هو إنجاح العملية. وحول تحديد موعد العملية، قال: “حتى لو كنت أعلم بالضبط موعد هذه العملية لن أبوح به.
من جهة أخرى قال توم فونتيس، المساعد السابق لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" إن نتائج كارثية، على حد تعبيره، ستترتب على عدم تمكن الجيش العراقي من طرد تنظيم "داعش،" من مدينة الموصل. ولفت في مقابلة مع CNN إلى أنه ومن وجهة نظره فإن هذه النتائج الكارثية سيصعب تخطيها على المدى البعيد."
ما تقدم هو خلاصة التقارير الصحفية عن معركة الموصل المرتقبة والتي خططت لها قيادة المنطقة المركزية في الجيش الأمريكي وأفصحت عن بعض ملامحها على الأرض. وفي الوقت نفسه تحذر من وجود مخاطر وعثرات يمكن أن تواجهها هذه الخطط وربما تفشلها.
المعتقد أن الإدارة الأمريكية تسير وفق نهج مرسوم لعموم المنطقة حتى من ما قبل ولادة داعش، ومثل هذه الخطط التي وضعت لمستقبل جغرافيا المنطقة لن يكون هناك حياد فيها،وسوف تستمر بصراعات وحراك لحين ظهور الخارطة الجديدة والمعدة سلفا في دهاليز البنتاغون.
على مدى ثمانية أشهر مضت منذ احتلال داعش للموصل ومناطق أخرى في الرمادي وصلاح الدين وديالى لم نلحظ لفعل قوات التحالف ما يضمن أضعاف قوى التنظيم الإرهابي، بل ظهر بان القصف الجوي جعل تنظيم داعش يوما بعد أخر يكتسب القدرة على التخفي، في حرب عصابات يبدو من المستحيل فيها اصطياد أعضاءه في أوكار تكون أما شعاب ووديان أو مغارات وبساتين أو بين أوساط السكان والعديد من الحواضن. أيضا ساعد قصف طائرات التحالف على دفع أعداد جديدة من الشباب للانضمام للمنظمات الإرهابية بدوافع مختلفة من بينها المغامرة والمقامرة والارتزاق أو محاربة الولايات المتحدة الأمريكية ويختلط مع كل هذا وذاك الإيمان بالإسلام كعقيدة مستوحاة من فكر بن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب .
ولكن ما يدفع لإثارة التساؤل حول حقيقة التعامل مع داعش من قبل قيادة التحالف الدولي وبالذات الولايات المتحدة، هو المشهد اليومي لداعش وهي تحرك قواتها بيسر وسهولة في جميع الاتجاهات دون حذر من الطائرات الأمريكية أو طائرات التحالف الأخرى، ويلاحظ أيضا قدرة داعش على القيام بغزوات شبه يومية على الكثير من المناطق وفي مختلف جبهات القتال،أن كانت في المناطق المجاورة لإقليم كردستان ومحافظة كركوك وصلاح الدين أو مناطق ديالى والرمادي حتى محيط ووسط بغداد، دون أن يستطيع طيران التحالف المساند للقوات العراقية إيقاف زحفها إلا بشق الأنفس، ويقدم الجيش العراقي في تلك المعارك خسائر كبيرة في المعدات والأشخاص. فمدينة الفلوجة التي مضى على احتلالها ما يقارب السنة والنصف، فإن الجيش العراقي يبدو غير قادر بالمطلق على استعادتها، وقدم خسائر كبيرة حول محيطها. أيضا فإن قيادة التحالف لم تقدم أي عون يذكر لتحرير المدينة رغم أن الفلوجة تقع في خاصرة بغداد، ودائما ما شكلت وعامريتها ومنطقة أبو غريب التهديد الحقيقي للعاصمة. وفي الوقت نفسه نجد أن جبهات ساخنة عديدة تشتعل كل يوم وهي في وضع كر وفر بين القوات العراقية وتنظيم داعش المسنود من بعض العشائر. فحزام الموصل حاله حال محيط تكريت وبيجي وأغلب مناطق الرمادي، حيث تستمر المعارك الضارية هناك والتي تفصح عن قدرة تنظيم داعش وحلفاؤه على خوض معارك في عدة مناطق، وبصفحات متعددة بنفس الوقت، وليس كما تدعي الإدارة الأمريكية بان قدرات داعش لم تعد بذلك الزخم الذي يجعلها تستطيع حشد قوات في منطقة من دون التخلي عن منطقة أخرى. فاحتلال منطقة القائم وباقي مناطق غرب الرمادي حتى المركز، ومعارك البغدادي وبيجي وحزام الموصل ومناطق صلاح الدين وشمال العاصمة خير دليل على تلك القدرات التي يتمتع بها التنظيم. وفي الوقت نفسه فإن تلك المعارك تدلل بشكل لا يقبل الشك وبما يؤسف له، على عدم جاهزية الجيش العراقي لمعارك كبرى رغم دخول الحشد الشعبي في الكثير من المعارك كرأس حربة أو ظهير لهذا الجيش.وتفصح أيضا عن بؤس وعدم جدية وتواطأ وتحايل من قبل قيادات التحالف الدولي لأغراض ما عادت تخفى على الحليم. فطيران التحالف يسيطر ويبرمج أو في أغلب الأوقات يمنع الطيران العراقي من إسناد الجيش في مناطق الرمادي وصلاح الدين. ويقوم طيران التحالف بإسناد قطعات البيشمركه فقط وقصف داعش عند الحدود الأردنية والسورية في عملية يظهر أنها تحمل أهداف بعيدة. ولكن بعض القادة في الجيش العراقي يدركون جيدا بأن الغاية من هذا الأمر، تتعلق بنية الولايات المتحدة وحلفاؤها أبقاء قوة داعش وحلفائها في صلاح الدين والمناطق الغربية ندا للجيش العراقي، ولتكون تلك القوى نواة جيش خاص للمنطقة السنية المقبلة بعد انتهاء المعارك ووهن الجيش بتشكيلته الحالية.
إن عدم جاهزية الجيش العراقي وتشتت قواته في العديد من الجبهات، يضعنا أمام مشهد محير، تثار فيه شكوك حول حقيقة نوايا الإدارة الأمريكية، في الحث على دفع هذا الجيش لتحرير مدينة كبيرة بمساحتها ونفوسها، مع وجود قوات لداعش لم تستطع المخابرات الدولية والمحلية التأكد من حقيقة أعدادها ومعداتها داخل المدينة، وكذلك لا توجد لحد الآن قوات عسكرية أو محاولات ضغط جدية تمنع القذارة السياسية الدولية التي يمارسها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مما يمنع تدفق رجال منظمة داعش وإمداداتها عبر الحدود. فمازالت تركيا مضافة وخزين لا ينضب لتوافد الإرهابيين ومثلها سوريا وحدود الأردن والسعودية.
أن خوض معركة تحرير الموصل قبل التحرير والسيطرة على المناطق القريبة من العاصمة بغداد ، وكذلك قبل استعادة جميع مناطق محافظة الرمادي وصلاح الدين وديالى وكركوك،وبذل جهود حقيقة ومهنية قاسية لبناء جيش محترف، يسيطر ويمسك بقوة تلك المناطق الشاسعة ويؤمن استقرارها، فمن غير ذلك لا بل من المستحيل خوض معركة بحجم معركة لتحرير مدينة مثل الموصل. ولن ينفع مع هذه المعركة أسلوب حشد القوات عبر الفزعات العشائرية. فالواقعة حجمها كبير، تتداخل فيها عوامل ليس فقط عسكرية وإنما سياسية وطائفية وخفايا مبطنة يضمرها الجانب الأمريكي وحلفاؤه. وإن خاضها الجيش العراقي حسب الرغبة الأمريكية فسوف تقع كارثة كبيرة، تعرض الجيش لهزيمة تقصم ظهر ما تبقى منه . فمعركة الموصل التي يعد لها الأمريكان، سوف تترافق ومعارك طاحنة تندلع في جميع الجبهات مع داعش ومعاضديها، لغرض المشاغلة والضغط وتشتيت جهد الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، ويرافقها أيضا أرباك سياسي على جميع الأصعدة داخل السلطة وخارجها تتهيأ له بعض القوى السياسية، لتكون نهاية معركة الموصل خسارة وطنية كبرى، تتبعها نتائج كارثية يصعب السيطرة عليها أو تخطيها مثلما يتوقع لها توم فونتيس المساعد السابق لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، وهذا ما تسعى وتتهيأ أليه وتعمل عليه الإدارة الأمريكية. وأولى نتائج الخسارة ستكون مباشرة، دعوة العشائر السنية وقادتهم السياسيون لتدخل عسكري مباشر للولايات المتحدة الأمريكية بحجة القضاء على داعش، وهذا ما سوف تفعله أمريكا على وجه السرعة، لتنشأ بعد الهزيمة، خارطة جغرافية سياسية جديدة يبدأ معها وضع مشروع تقسيم العراق على الطاولة وأمام جميع الأطراف ويفرض بقوة وبشروط المنتصر وتنازلات المخذول . تلك هي غاية المعركة ولحمتها وسداها التي تدفع الإدارة الأمريكية الجيش العراقي لخوضها في مثل هذا الوضع الهش والمقلق،وفي الزمن غير المناسب والمصاعب السياسية والاقتصادية التي تكتنف عمل السلطات العراقية.