لانقول وداعا..يد المنون تختطف الشاعر الشيخ سعد محمد الحسن البهادلي

بالأمس، هوى نجم عراقي أصيل وكوكب لامع ، وقد إختطفت يد المنون واحدا من أكبر عمالقة الشعر الشعبي العراقي،الذين تتفاخر بها عشيرة البهادل على انه احد رجالاتها الغر الميامين..انه الشيح الشاعر سعد محمد الحسن، الذي ينبغي ان تنكس اعلام العراق وأعلام عشائره الاصيلة اكراما لمقام هذا الرجل الكبير في اخلاقه وعلمه وثقافته وغزارة الكلمة المتدفقة شموخا وعزا وعلوا وكبرياء، وتغنى بحب العراق حتى وصل العشق لوطنه حد الهيام..
وقد ناشدتني صاحبة الجلالة وسلطتها الرابعة ان اقف اجلالا واكبارا لهذا الشاعر العروبي العملاق الذي وصل نجم شموخه ليعانق كبرياء نخل العراق، ونهري دجلة والفرات، في محافظة عزيزة وغالية على العراقيين، في شموخها وكبريائها.. انها محافظة ميسان ، مدينة العمارة ، ابنة التاريخ، وحافظة عهد الوفاء ومسطرة اروع صفحات البطولة في التاريخ العراقي، الذي يفتخر ان ابطال تلك المحافظة قد سطروا في سفرها الخالد  مايرفع رؤوس العراقيين الى السماء..
حتى جهابذة الكلمة وشعراء العراق الفحول وقفوا صامتين عاجزين عن ان يبحروا في محيطات البلاغة الغربية ، وتوقفت اوزانهم وبحورهم ، وكلماتهم ترتجف خجلى امام مقام هذا الشيخ الجليل ، الذي لايكاد بيت عراقي الا ويحتفظ من ذاكرته العطرة ومكانته بين بني عشيرته ما يشكل مقامات شاهقة ترتفع بها منازل هذه القبيلة بين قبائل العراق الكريمة المعطاء أدبا وخلقا وحكمة وكبرياء..
كنت انا واحدا ممن تمنيت لو ان الاقدار أرضعتني من ثدي هذه العشيرة وحليبها الطاهر والتي تتفاخر بانها انجبت الشاعر سعد محمد الحسن ، بالرغم من ان عشائر الدليم التي إنتسب اليها، مايزال فيها من الشواهق والقامات السامقة من شيوخ عشائرها الكرام ما يرفع عني حالة الخجل من بقايا شيوخ باعوا ضمائرهم في سوق النخاسة بثمن بخس دراهم معدودة، ونسي او تناسى الكثيرون انهم ابناء شيوخ بررة ميامين كانوا مثالا لكل مروءة ومضايفهم عامرة بالرجال الذين يحفظون عهد الله، وهم من نتفاخر ببقايا مثاباتهم التي هي محل وتقدير الطيبين من أهل العراق..
 
وانا احاول ان انحت بين صخور لغتي بحثا عن مفردة هنا او عبارة هناك علها تشكل مقالا تأبينيا بحق هذا الانسان والشاعر والشيخ الجليل ، ينتابني شعور بالمرارة والأسى ، وقد تقطعت بي سبل الصبر ، فتدفقت تلك الدموع تتساقط وتكاد حرقتها تشق عباب السماء ، لأن اعمار اؤلئك الرجل تذهب وتغادرنا، لكن فخري ومكانتي تعلو لتعانق كبرياء السمو العراقي عندما ترك لنا في أعماق هذه الارض جذوعا عامرة في الارث العراقي العربي الاصيل مايعانق شعراء المعلقات السبع وعمالقة الادب من حيث القيمة والاثر الفني ، وصواريخ عابرة للقارات في زمن أفل فيه دور العراق وتراجع كثيرا قهقريا الى الوراء ، ونخل العراق السامق يتهاوى في منظر مأساوي مريع من سيء الى أسوأ..
عزاؤنا فيك اننا نبقى نردد كلماتك التي هي عبارة عن حكم ومآثر ترددها القلوب والألسن والحناجر يامن أغنيت البلاغة العربية ، وعطرتها بكلماتك ونحتت من صخرها ما يذيب الحجر وما تتفطر منه القلوب الما وحسرة ومرارة على تلك الخسارات الباهضة التي تنطفيء شموعها، بالرغم من أن وهجها سيبقى عامرا في قلوب كل العراقيين الاصلاء الطيبين البسطاء الاكرمين ، ذوي التاريخ المشرف والمكانة التي ترتفع بهم هامات المجد وتعتلي بجيادهم معالم البطولة وملامح الشموخ، وتحتفي بذكرهم الطيب كل عراقية شريفة انجبت احرارا ورفضت ان تطأطأ رأسها لمن حاول سلب كرامتها أو سرقة معالم بسمة ارتسمت على شفاه طفلة عراقية تتفاخر بين بيني جنسها ، انها رضعت من ثدي امها حليبا طاهرا، لتنجب الابطال البررة الميامين عندما يحين المخاض، لكي لاينقطع نسل الرجولة في زمن اختلت فيه الموازين ، وتهاوت عروش وتداعت زعامات وانقرضت مواقف وطأطأت رؤوس وتعرضت كرامات الكثيرين الى الامتهان..
ذكراك الطيبة ايها الشيخ الجليل ، ياشاعر الكلمة العراقية الاصيلة وحكمتها التي تتفاخر بأن تتناقلها الاجيال، كفيلة بأن تبقي أسمك علما بين اعلام شيوخ البهادل الكرام، الذين نعزيهم جميعا ونعزي انفسنا والعراقيين جميعا بهذا المصاب الجلل، وعسى ان يدخل شيخنا وشاعرنا وحكيمنا جنات الخلد ، فهي المكانة التي يستحقها من أوصلتهم الاقدار الى نيل المكارم ، ودعاؤنا ان ينال هذا الرجل جنات الفردوس ويلهم اهله وعشيرته والعراقيين جميعا الصبر والسلوان..إنه نعم المولى ونعم النصير..انا لله وانا اليه راجعون.