وأنت تستعيد صور تظاهرات 25 شباط عام 2011، والتحضيرات لها، تتزاحم في ذاكرتك النقاشات التي دارت على صفحات التواصل الاجتماعي آنذاك، وفي مقرات القوى السياسية والمدنية الأخرى، بمشاركة طيف واسع من الناشطات والناشطين، وتداول القضايا السياسية العامة وكذلك التفاصيل الفنية، المهم آنذاك هو تركيز ممثلي القوى والشخصيات المدنية على موضوعة إصلاح النظام، وليس على إسقاطه كما طرح البعض، جهلا او عمدا، والجدل المضني حول جدوى التظاهر ضد نظام صارم تم تصميمه بدهاء، وبني بحجر الطائفية السياسية! ومدى شرعية عملية الاحتجاج على حكومة وصلت الحكم عبر صناديق الاقتراع؟! وأنت تستعيد الذكرى، يحضر في ذهنك حجم القوات الأمنية بتنوع صنوفهم ووجوههم المتوترة المشحونة بالعداء والتوجس، وقد طوقوا ساحة التحرير دون ان يتركوا منفذا، اننا أبناء بغداد نعرف جيدا حاراتها واصغر شارع فيها يؤدي الى ساحة التحرير، لذا نفذنا مع أجهزتنا الصوتية الى نصب الحرية كي نقول: لا لمصادرة الحريات! نعم لحقنا في التعبير عن الرأي! وأنت تستعيد الذكرى، يتصاعد عندك الحماس ذاته، الذي حمل آلاف الناشطين/ات، على تحدي منع التجول وقطع الطرق! والإصرار على الوصول إلى ساحة التحرير رغم خطاب الحكومة الذي وصف المتظاهرين بـ (البعثيين والإرهابيين). وسبقت ذلك التحضيرات الواسعة والعمل الدؤوب بدءا من صياغة المطالب وصولا الى تهيئة الأجهزة الصوتية، واللافتات، وقناني الماء، والشباب المتطوعين للتفتيش لحماية الساحة. وأنت تستعيد هذه الذكرى، تستحضر حوارك مع الشاعر إبراهيم الخياط حينما عرض عليك قصيدة على شكل هتافات بعنوان "باطل" وهي التي سرعان ما اصبحت "ردّة" أساسية للتظاهرة، تكررت عشرات المرات، وكانت مؤثرة وفعالة بصوت ولحن الشاب مؤيد الطيب الذي أجاد وتميز في ترديدها، حتى صارت تهمة وجهت إليه عند اعتقاله لاحقا بمعية ثلاثة شبان آخرين. وأنت تستعيد الذكرى، تبرز مفارقة غياب ممثلي المتنفذين بكل اطيافهم عن هذا النشاط الوطني، بينما احتشد حوله العديد من الشخصيات الجميلة الشجاعة من فنانين وأدباء واعلاميين وأساتذة، نساء ورجالاً، شباباً وشيوخاً، رجال أعمال وعمالاً وكسبة وكادحين وطلبة، وغيرهم من جميع طبقات المجتمع، من مختلف احياء بغداد. وأنت تستعيد الذكرى، تتألم على الوقت الذي هدره الحكام مجانا، وعلى الإمكانيات الكبيرة التي بددوها، وكان يمكن لهم خدمة العراق وبناؤه وتطويره وتنميته، لا ان يتركوه فريسة بيد عصابات الدولة الاسلامية "داعش" من جهة، ومن جهة ثانية بيد آفة الفساد وبيد الفاشلين الذين لم يروا في اقتصاد العراق سوى النفط، وبهبوط أسعاره انكشفت رؤيتهم الاقتصادية الفاشلة. وانت تستعيد الذكرى تشعر براحة ضمير، لأنك مع من استنتجوا مبكرا خلاصة عميقة المعنى، مفادها: ان النظام الذي بني على أساس الطائفية السياسية هو نظام مأزوم لا ينتج الا الأزمات، وتبقى منتشيا بلذة الانتماء الى الجمع الطيب المكافح من اجل الدولة المدنية الديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات الدستورية، والمواطنة المتساوية، دولة الضمانات الاجتماعية وغيرها، دولة حقوق الإنسان وحرياته.
|