لقد تسرّب الى تاريخ الكرد وكردستان ، أو تم التسريب اليه منذ حقب زمانية طويلة عددا غير قليل من الزور والتزوير والزيف والخرافات ، ومن أبرزها وأكثرها هشاشة وهذيانا وخرافة هو تثبيت شخص في تاريخ الكرد وكردستان منذ القدم ، والى الآن بأنه كان شخصية مهدية ومنقذة وعملاقة ، وإنه ثار ضد الظلم والطغيان ، وإنه لذلك قتل ملكه وأسقط دولته فسلّمها بيديه الممتنة الى الأجانب ، وهم الفرس ... على هذا الأساس فإنه ينبغي كما يزعم البعض ، وربما الكثيرون جدا انه ينبغي إجلال وتكريم كاوه الحداد وما قام به ..! والزيف والتزوير الآخر لتاريخ الكرد وكردستان هو ربط نوروز بكاوه الحداد وما قام به بحسب الخرافات الكاذبة التي دُسّت في تاريخ الكرد دَسّا ، مع العلم ان يوم النوروز هو كيوم تاريخي مبارك وسعيد كان موجودا ويحتفل به الكرد وبعض الشعوب الأخرى بقرون طويلة قبل أن يكون كاوه الحداد شيئا مذكورا ، أي ان النوروز كان من الأيام الاحتفالية والمباركة قبل ميلاد السيد المسيح عيسى - عليه السلام - بقرون طويلة ، لابل قبل ميلاد النبي موسى - عليه السلام - بقرون طويلة أيضا ... لهذا يجب تفكيك موضوع النوروز عن موضوع كاوه الحداد بالكامل ، لأنهما موضوعان مختلفان تماما ، ومن ثم على شعبنا الكوردي أن يعرف من هو كاوه الحداد ، وماذا قام به ، وضد من ، وهل الذي يُنْسَبُ اليه هو صحيح أم دَسُ وزيف وكذب ، وهل ان كاوه يستحق كل هذا الإجلال والتكريم ؟! موجز شديد عن قصة كاوه الحداد المزيفة والملفقة والكاذبة : ____________________________________________ في ايران ، في القديم كان فيها ملك بإسم الضحاك ، وكان هذا الملك ظالما كثيرا .. وقد نما على كتفي الملك الضحاك ثعبانان ، ولم يرى الأطباء من علاج سوى ذبح وتحر شابين كل يوم وآستخراج مخيهما لإطعام الثعبانين ... هكذا مرّت الأيام والشهور والأعوام على الناس من ظلم وطغيان الضحاك ... وأخيرا لم يستطيع شخص عامل يعمل بالحادة بإسم كاوه تحمّل كل هذا الظلم والضيم والطغيان فثار عليه مع الناس وقتل الملك بمطرقته فأنهى حكم وحكومة الضحاك الظالمة ، وكان اليوم الذي قضى فيه كاوه على الضحاك الملك وحكومته متزامنا مع يوم النوروز ... من أين جاءت هذه القصة الخرافية ، ومن إختلقها ولماذا ...؟! ___________________________________________ لاشك ان الكرد لم يؤلفوا هذه القصة ، لأنها هي في آخر المطاف لاتصب في صالحهم من جميع الجهات إذن ، مَنْ له المصلحة في إختلاق هذه القصة الخرافية ؟ . إن الذين لهم المصلحة في هذه القصة هم الفرس بالدرجة الأولى ، حيث القدامي من مرؤخيهم قاموا بحياكة هذه القصة الخرافية في التاريخ ، ومن العجيب والغريب أيضا هم لم يكتفوا بتزوير التاريخ وحسب ، بل قاموا بتزوير الكتاب الديني المقدس للديانة الزرادشتية المعروف ب:( آويستا ) أيضا ... وإن الأمر الأكثر عجبا وغرابة هو إدخال هذه الأكاذيب والخرافات في كتاب الزرادشتيين المقدس ، وللمثال يقول كتاب الآويستا الحالية عن الضحاك هذه الخرافة والأكذوبة عن الضحاك ، طبعا هذا لم يكن أبدا موجودا في النسخة الأصلية من هذا الكتاب ، بل تم دَسّه فيه : [ ذاك النصر الذي أحرزه فريدون الشجاع ، الشخص الذي دمّر أزديهاك < أي الضحاك . م عقراوي > . أزديهاك كان له ثلاثة أنوف وستة عيون ، وكان له ألف نوع من الحيل والدجل ، وكان قويا جدا وكاذبا ومشعوذا ] يتظر كتاب [ آوسيتا ] ، ترجمة وتقرير وتحقيق جليل دستخواه ، دار النشر : إنتشارات مرواريد ، طهران / ايران ، ط 05 ، مج 01، ص 439 . في هذا التزوير نلاحظ بأن الفرس أبدلوا إسم كاوه بإسم فريدون ، والآن [ نقوم بتحقيق تاريخي حول الزمن ، أو الفترة التاريخية التي عاش فيها كل من زرادشت وأزديهاك - أي الضحاك كما في التاريخ المعاصر - ، وذلك لنتأكد هل ان زرادشت كان معاصرا للملك الميدي أزديهاك وحكمه ؟ . علما ان المقطع المذكور الذي نقلناه من كتاب الآفيستا بعد ترجمته من الفارسية الى العربية هو كلام زراشت نفسه - طبعا وفق التحريف والتزوير الحاصل في كتاب الآويستا - ، أي بحسب هذه الرواية الموضوعة فإن زرادشت كان معاصرا لأزديهاك ، وهذا خلاف للتاريخ . وذلك لأن زرادشت كان يعيش في عصر وأزديهاك الذي حكم في الفترة ( 585 ق ، م - 550 ق ، م ) كان آخر ملك للامبراطورية الميدية يعيش في عصر آخر ، في حين ان زرادشت في هذه الفترة كان قد توفي قبلها بقرون طويلة . وان أقلَّ التقديرات التاريخية تقول بأن زرادشت كان يعيش في القرن السابع ، أو الثامن قبل الميلاد ] ينظر بحثي بعنوان [ الكورد والأيْرَنة / بحث تاريخي - علمي وديني يفند شبهة ايرانية الكورد ولغتهم ووطنهم وتاريخهم ] نقديم وتقييم الدكتور جمال نَبَزْ والدكنور جواد ملا ، من مطبوعات المؤتمر الوطتي الكوردستاني ، لندن / 2003 ، ص 30 - 31 . من هو الضحاك ...؟
الضحاك هو آخر ملوك الدولة الميدية - الكوردية التي كانت عاصمتها أكباتان ، أي مدينة همدان الحالية القريبة من محافظة سنندج في كوردستان ايران . إن إسم الضحاك الحقيقي والأصلي هو : ( أزدياك ) ، أو ( أزدبهاك ) ، أو ( آژديهاك ) ، لكن تم تعريب إسمه في التاريخ العربي والفارسي والكردي فيما بعد الى ( الضحاك ) ! . حدود وقوة الدولة الميدية - الكوردية :
لقد كانت الدولة الميدية قوية ومقتدرة جدا من جميع النواحي ، إذ انها [ كانت دولة كبيرة وواسعة الحدود ، بحيث انها كانت تحكم كوردستان وبلاد الفرس وآسيا الوسطى ، وكانت حدودها تمتد أيضا حتى الخليج العربي والهند والبحر الأسود والمتوسط ] ينظر نفس المصدر المذكور والكاتب والناشر والطبعة والسنة والمكان ، ص 19 من هو كاوه ...؟
تذكر بعض المصار التاريخية بأن كاوه كان كورديا من أهالي مدينة شهر كورد القريبة من محافظة أصفهان الايرانية ، وانه كان عاملا يشتغل بالحدادة . وكما ذكرنا في ملاحظاتنا السابقة تبعد مدينة شهر كورد عن مدينة همدان عاصمة الميديين الكورد في غابر الزمان بأكثر من ( 1500 ) كيلومتر ، وهذا بعد جغرافي ومكاتي شاسع جدا ، وبخاصة في ذلك الزمان الغابر ، وبشكل أخص لصعلوك مثل كاوه ، فهل من المعقول أن يستطيع صعلوك ، وفي مثل هذا البعد الجغرافي والمكاني الواسع والشاسع جدا أن يقتل ملكا ، وأن يسقط إمبراطورية قوية ومترامية الأطراف كالإمبراطورية الميدية الكوردية ؟ لكن بالرغم من ذلك قد يكون هنا التساؤل الأهم هو : لماذا بقيت هذه الخرافات والتزييفات عالقة في معظم مخيال ومشاعر وتقاليد الكورد ، ويتم إجلالها وتكريمها وصاحبها كاوه الى جانب النوروز ، حيث هما موضوعان وحدثان مختلفان ولايرتبط ببعضهما أبدا ؟! مثال للمقاربة كي يتوضح دور كاوه بالضبط :
يوجد في إقليم جنوب كوردستان برلمان وحكومة كوردية منذ عام 1992 من القرن الماضي ... لاشك بأن لهذا الحكم أخطاؤه ونواقصه ، لكن هل ذلك يُبَرِّرُ لأحد أن يقوم بإستدعاء القوات العراقية ، أو السورية ، أو الايرانية ، أو التركية أو غيرها للقضاء على حكومة إقليم كوردستان وإسقاطها بذريعة السلبيات والمظالم - على سبيل المثال - الموجودة فيها !؟ ... بالحقيقة إن ( كاوه ....) قد فعل هذا بالضبط مع الدولة الميدية - الكوردية ، مع العلم إن هذا الصعلوك كاوه لم يسقط الدولة الميدية على الاطلاق ، بل الذي أسس للخيانة الداخلية والسقوط للدولة الميدية كان شخصا كبيرا وقائدا معروفا في البلاط الملكي الميدي ، وهو [ آرباك ] الذي كان وزيرا وذا نفوذ واسع بعد الملك أزدياك في الدولة الميدية ! . [ وفي هذه الأجواء إجتمع وزير كبير له يسمى ب( أرباك ) سرا مع عدد من أعوانه بمعزل عن الملك وكبار القادة الآخرين للامبراطورية , وبعدها إتفق المجتمعون سرا على أن يبعثوا برسول ورسالة عاجلة الى أمير الفرس ( كورش ) لكي يقدم على رأس جيش من الفرس ، وذلك لمساعدة ( أرباك ) وجماعته بهدف الاطاحة بالملك أزياك - الضحاك - وخلعه ، ومن ثم تنصيب رجل مقتدر من كبار القادة الميديين ليكون ملكا عادلا وصالحا للامبراطورية الميدية كما زعموا . ولكن كورش لما أطاح بالملك أزدياك - الضحاك - وأسقط الامبراطورية الميدية عام ( 550 ق ، م ) بعد حرب دموية دامت ثلاث سنوات ، وبعم خياني من الداخل الميدي لم يفِ بوعده ، بل انه أعلن قيام الملكية الفارسية الهخامنشية ونصب نفسه ملكا عليها بعد إحتلال كوردستان ] ينظر نفس المصدر السابق المذكور والكاتب والناشر والطبعة والسنة والمكان ، ص 19 - 20 . وعلى رغم العديد من الانتفاضات والثورات ضد الفرس لم يتمكن الكورد من إستعادة مُلْكهم ودولتهم الضائعة بسبب الخيانة الداخلية كما ذكرنا بإيجاز ،وبقوا بغالبية تحت الحكم الاحتلالي الفارسي حتى الفتح الاسلامي لكوردستان وبلاد فارس والمنطقة عموما .. إن هذه المعلومات التاريخية قد أخذتها من عدد من المصادر التاريخية القديمة والحديثة ، منها كتاب [ تاريخ هيرودوت / 484 ق ، م - 425 ق ، م ) . من هو هيرودوت : هيرودوت هو مرؤخ يوناتي شهير يلقب ب ( أبو التواريخ ) ، وانه كتب التاريخ البشري من بداياته وأرّخ الأحداث والوقائع للشعوب والبلدان والدول كاليونانيين والميديين الكورد والفرس والعرب وغيرهم ، ومنها أيضا كتاب : [ تاريخ الماد ] لمرلفه المؤرخ الروسي المعروف : ا . م . دياكونوف ، ترجمة كريم كشاورز ، لقد إعتمدت على الترجمة الفارسية لهذا الكتاب وغيرها من المصادر التاريخية المعتبرة . هنا ينبعي القول بأن تاريخ المؤرخ اليوناتي هيرودوت هو الأكثر مصداقية من غيرها ، وذلك للأسباب التالية : 1-/ كان هيرودوت قريبا من تقريبا من فترة حكم وسقوط الدولة الميدية - الكردية . 2-/ كان مستقل قوميا ، أي انه لم يكن كرديا ولا فارسيا ، بل انه كان يونانيا كما هو معروف . لهذا تأخذ أقواله بمصداقية أكثر من غيره ...
|