مستقبل رأس المال




من قراءة سريعة للتطورات التحولية الناتجة من ثورة المعلوماتية والحركة الكونية المرتبطة بها ومن نتائجها يمكننا القول ووفقا لمقدمات سنشرحها ونستعرضها لاحقا أن النظرة الكلاسيكية المعتادة لرأس المال وقيمته لم تعد قادرة على الصمود أمام ما يحدث من أنقلاب بالمفاهيم والأطر الفكرية والرؤى الكونية التي تتشكل لعالم الغد , عالم يديره العقل الإنساني المتحرر من قواعده النظامية القديمة لينطلق بعيدا في جموح نحو الخيال العلمي بمعناه التطوري وليس التأملي فقط .
عالم الغد الذي سيتم التحول له وفقا للتسارع الرهيب في نمو المعرفة وتراكمها المذهل مع تحول العالم الأرضي من عالم متعدد الثقافات والهويات والقيم والروى إلى عالم يتشارك الجميع في صياغته , عالم يطلق عليه عالم ما بعد العولمة أو بتعبير أخر عالم الهوية الواحدة المنتمية للزمن فقط ولتسقط كل الأعتبارات التفصيلية والتفضيلية التي كانت تحدد الأنتماء وتصوغ مفردة الأنا, ليعود مجتمعا مشاعيا في ما يخص المعلومة والمعرفة والفكر بعد أن أزال الإنسان بنفسه من طريقة تفكيره ما يعرف بحق الملكية الفردية .
خاض الفكر الإنساني الكوني وبعيدا عن مقدماته وعلل ذلك والأسباب الخفية والمعلنة نضالا مريرا كي يثبت أن قيمة رأس المال الحقيقة ليست في الثروة المادية فقط وإن كانت ضرورية وملحة ولكن الأساس الذي جعل لرأس المال النقدي والقيمي هذه القيمة الملحوظة هو قدرة العقل على التوظيف والترتيب والأبتكار وعلى عالم اليوم أن يعترف للعقل البشري بهذه الحقيقة وأن يتماهى معها قولا وفعلا .
كان عصر التصنيع والتجارة العابرة للقارات وتوظيف الأموال المتعدد الجنسيات من مظاهر القرن التاسع عشر والقرن العشرين إلى حد ما حيث كانت المفاهيم الأقتصادية غالبا ما تدور في فلك المال وقيمته ونشاطه وما ينتجه من علاقات وأطر عملية ,وأستغرقت الدراسات الأقتصادية الكثير من الوقت للتنظير والتفلسف في قدرة رأس المال على قيادة العالم وصياغة قواعد العمل والمشاركة وبيان الأفق القادم بناء على تجربة ماضية وملاحظة طرق السيرورة التي سلكها المال ورأس المال لبناء أمبراطوريته الرأسمالية كما ساهم في بناء الفكر المضاد للرأسمالية من خلال أتاحة الحرية الفكرية للتنظير والتجريب حتى سقطت أولى التجارب المضادة ليعري العالم الأقتصادي والفكر الأقتصادي على حقيقة أن الإنسان هو الرأس المال الحقيقي للوجود المادي وليس العكس.
في ظل هذا التطور الملفت للنظر منذ أواخر القرن العشرين تجسد واقعيا وفي كثير من المجالات أن المفاهيم الأقتصادية القديمة لم تتوافق مع واقع حال العالم في تحولاته وتبدلاته الأجتماعية والسياسية والأقتصادية ,فما كان قديما من مفهاهيم تتعلق مثلا بضرورة الحرية الأقتصادية وأقتصاد السوق والتنمية المستدامة والبحث عن البدائل والتكتلات والكارتلات الأقتصادية المتحكمة تحولت مع ثورة المعلوماتية إلى الهامش التنظيري وصعد للقمة مفهوم إدارة الأبتكار والتوظيف العقلي والبحث العلمي وأنتقاله من الحوز الحيوي له في المعاهد ومراكز الدراسات الجامعية والمؤسساتية المختصة إلى مجال الأقتصاد والشركات المفتوحة فقط للقادرين على التطوير والتحديث دون حدود .