أبتسموا ولا تتألموا على آثار الموصل والنمرود


رأيت الكثير من أصدقائي يتألمون بسبب خسارة لمجموعة من الآثار دمرتها (داعش) اليوم ولم أستغرب حالهم فالألم صفة العراقيين المخلوقين من ألم وطين , أولئك النابضين بحلم الغد الجميل , لكني لم أتمكن من كبح (تساؤل) و(معه أعتراف صريح) في هذا الموضوع البسيط - نعم بسيط - ليس من باب تحريم الآثار على أنها أوثان - غبي من يعتقد ذلك- فهي تراث يمتلك حصانة التقديس , هي مجد إنساني ومعيار للرقي و هوية وأصالة و وجود , وعليه فأن باب الأستغراب يتلاشى هنا فكل مخلص لوطنه له أن يتألم على أي شيء يخص الوطن يهدر بطريقة دنيئة على يد وحوش العصر العابثين , إنتهى الأستغراب هنا وشكراً للمتألمين المخلصين .
أما التساؤل فأختصره بالحيرة التي راودتني اليوم مما حصل في (آثار الموصل والنمرود) , أوّله عن الكيفية والجدوى التي نشرت بها داعش صور (التفليش) وثانيه عن دقّة تلك الصور والزوايا التي أختارها المصوّر لطريقة الهدم والتخريب وباب التعجب أننا لم نر لها قدم سبق الا لدى المحترفين من شاكلة مصوري ناشيونال جوغرافيك الحاذقين , هناك أمر خاف في الموضوع (من قبيل الذي دبر بليل) !
أما الأعتراف الصريح بالحقيقة فسأبوح به على مرأى الجميع :
بنيت أو ساهمت ببناء بضعة بيوت في أكثر من مكان وتنقلت بين أماكن خضراء وأخرى في الصحراء في بغداد أو المحافظات , وكلما وقفت على مكان , أعثر أو يعثر رفاقي - ونحن مواطنين عاديين لسنا منقّبين - على أثر عراقي عريق وجدنا مرة ختم أسطواني , مرات وليس مرة , وأخرى وجدت ملاعق و جرار ومجارش تعود لعصور بالغة في القدم , أسلامي آشوري حجري , قبل وبعد الميلاد , أقنعني أحد أصدقائي مرّة , كان من قسم التاريخ في جامعة بغداد وأخذ منّي الكثير منها ولو أردت الحصول على المزيد فالأمر ليس بمستحيل , وسيحصل متى ما حفرت أساساً لبيت جديد أو زرت مكان بعيد , فكل العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه عبارة عن بانوراما آثارية ليس لها حدود , لم يتسنى للبعثات الأجنبية أن ينقبوا الا عن أجزاء محدودة منه , أكمل بعض قليل منها العراقيون وأغلبكم يستذكر الآثاري (بهنام أبو الصوف) , وعمره القصير !
زبدة القول أقولها على سبيل اليقين وليس الرثاء والتأبين , أن كل قوى الشر مهما كانت ( غاشمة أو ذكية أو وحشية) من داعش وماقبلها وبعدها لن تطمس هويتنا فتراثنا مغموس في أديم الأرض تلك التي صارت جنان من التراث والآثار عطرتها خلايا أجساد الشهداء بالعبير فتحولت الى كنز عملاق من الصروح الأزلية المقدسة فمالكم تتألمون لفقد بعض آثار فيما العراق بكل أراضيه يستحق أن نسميه (أكبر متحف في التاريخ) , وفي الختام أقول سنبقى رغم أنف الأشرار مهما حاولوا محو هويتنا فنحن شعب بوطن حي تاريخه مثبت في كل متر مربع , لا تتألموا وثقوا بماتملكون .. أبتسموا عساكم سالمين .