رجو أن أكون قد وفيت حقوق البراغيث في عالمنا العربي، شعرا ونثرا، وأنتظر منها أن تذكر فضلي عليها ولا تهاجمني في أول زيارة أقوم بها إلى ديارنا. بيد أن للحمير أيضا مكانة في دنيانا لا تقل عن مكانة البراغيث. وأول ما يخطر في بالي في هذا الصدد قصيدة نقولا الترك احتفاء بولادة حمارة: الحمد لله الذي ولدت حمارتنا العشار جاءت لنا بحمارة يا ليتها كانت حمار لكنما بخلاصها فرح الصغار مع الكبار طبخوا حلاوتها وكم من جارة أكلت وجار الله ينشيها عسى منها نرى كثر البدار فنرى الحمير يبرطعون ويلعبون بكل دار
الأدب والتاريخ العربي حافلان بالكتب التي تدل على مكانة الحمير عندنا. إنها دون شك أكثر بكثير مما كتبناه عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة. هناك حمار الحكيم لتوفيق الحكيم، وحمار جحا، وأنا والحمار، والحمار في تاريخ الشعر العربي، وسواها كثير، بل كان لدينا خليفة يحمل اسم مروان الحمار. وكان للجيش العراقي فرق من الحمير والبغال يعطون لها رواتب تفوق راتب الجندي. وأنا أرى أنهم لو أعطوها القيادة لما خسرنا فلسطين ولا وصل العراق إلى حالته المزرية. ولا ننسى أن السيد المسيح عليه السلام قام بسفرته التاريخية للقدس على ظهر حمار، كناية عن تواضعه. التفت شاعر شعبي مصري إلى كل ذلك فكتب قصيدة شعبية طويلة يشيد فيها بالحمير ومكانتها بيننا، أنتقي منها هذه الأبيات:
عجبي عليك يا ابن آدم يا كبير الدار قومت الدنيا وما قعدت لما قالوا حمار هو اسمي شتيمة والّا جنسي ده عار؟ خلقني ربي وخلقك ولا حدش له خيار وانا مهما زاد الحمل فوقي صابر على المشوار لا في يوم أقول اشمعنى اخويه وآخد منه تار ولا يوم أبص لرزق غيري وأطق منه واغار ولا أرفع في يوم عيني على جارتي واصون الجار وعندي ابن آدم يخدمني ليل ونهار إن جعت يشتري برسيمي بأغلى الأسعار وفي مرضي يفضل يعالجني ويدعي الستار خادم أمين من غير راتب ولا إيجار! والحين عرفت يا ابن آدم: مين فينا حمار؟
|