لايختلف اثنان على ان الواقع الدراسي هو واقع مزري بكل ماتحمله هذه الكلمة من معان ، فكثرة الطلبة الفاشلين والمتسربين من الدرس ،مضافا ً اليهم من يتخرج وهو لايجيد القراءة والكتابة ،وتشير الأستطلاعات الى ان العامل الأول هو سوء مقدرة الدولة على الأتجاه بالواقع الدراسي الى مستوى الطموح سواء بوجود الأحتشاد الطلابي في كل صف أو في كل مدرسة أو بتقصيرها في فتح المدارس الأهلية لكل من هب ودب . كما تؤشر الأستطلاعات حقيقة مؤلمة أخرى وهي عدم كفاية الملاكات التدريسية ،والتي يؤدي بها سوء أوضاعها المالية وعدم وجود الحافز المناسب الى الأتجاه الى التدريس الخاص وأهمال الواجب الشرعي الرئيس وهو التعليم العام ،وطبعا ًهناك نقاط أخرى مثل فقدان الطالب للطموح ،وعدم متابعة الدروس ،ووجود مغريات العصر كالأنترنيت وغيره،وهناك فئات من الطلبة تتجه للعمل أثناء الدراسة . وعلى الرغم من حجم المشكلة وتأثيرها العام في مجمل أوضاع البلد ومستقبل تقدمه ورقيه ،فلم نجد ان هناك بحوث او معالجات واقعية قامت بها المؤسسات ذات العلاقة أو اجهزة الدولة . ان من أصعب التحديات التي واجهت البشرية هي عملية اعداد الانسان ذاته، ولاتزال هذه العملية الى يومنا هذا من التحديات الكبرى على الرغم من كل ما توفرمن تيسيرمتمثل بالتوجيه الرباني (الاديان السماوية ) والتراث الأنساني الهائل والمستوى التقني الذي بلغته البشرية الأن،واليوم تبتدأ المدارس الحديثة مع الانسان منذ الصغر ، لتهيأته ،واسناد ما وهبه الله تعالى من الفطرة بقوى" اضافية تجعله قادرا" على مواجهة عواصف الحياة ورياحها العاتية ، وتوجهه الوجهة الصحيحة التي يخدم بها نفسه ومجتمعه،ويصبح عضوا" نافعا" ، وتمهد له السبل ليكون من المتميزيين الذين يعملون على تطوير الحياة والاخذ بها الى سبل جديدة من التقدم والرفاهية . أذن فالامر هام وخطير جدا" ، فالضد من العلم والتعلم هو الجهل والظلام ، والجاهل شخص يعيش في متاهة ، قلما يتمكن من تمييز طريقه في الحياة ، ولهذا فعلى الاعم الاغلب ، لن يكون ذا فائدة لمحيطه ومجتمعه ،بل قد يشكل خطرا" على المجتمع الذي يعيش فيه. لكل هذا آلت البشرية ، منذ ان أبتدأت العيش في مجتمعات وتوفرت لها أسباب الاستقرار، الى وضع آلية التعليم وقد تكون أبتدأت ملتصقة بالفعاليات العالية للانسان مثل المعابد ومؤسسات السلطة العليا ، واصبحت على مر السنين تراثا" بشريا" يدعم ويطور بتجارب الشعوب في مختلف أصقاع الارض ، حتى أصبحت اليوم مؤسسات عظيمة تعنى بصقل وتدريس الانسان منذ طفولته وحتى كهولته ،حيث ان الانسان بحاجة دائمة للتعلم ، فكلما يتعلم ويصبح داركا" يكتشف أنه بحاجة الى ان يتعلم المزيد حيث أن ترك التعليم في أي فترة من حياته يعود به الى الجهل مرة أخرى، وهذا مصداق لقول رسولنا الكريم محمد ص ( أطلب العلم من المهد الى اللحد ) . وبدأنا نسمع في العصر الحالي نداء خذوهم صغارا" ، يعني أعدوهم منذ الصغر ، وهو مبدأ شاهدنا بأم أعيننا كيف ان الدول المتقدمة قد حصدت ثماره في مختلف مجالات الحياة ،فهي قد وضعت التربية والتعليم أساس لأية تنمية شاملةتنشدها البلاد،حيث أنها تهيأبذلك الكوادر الكفوءة. ولكننا في ظروف العراق الحالية ، لم نجد اي تطبيق بهذا الاتجاه ، وحتى مدارسنا التي تبتدأ من عمر 6- 7 سنوات قد تباطئ نموها تباطئا" كبيرا" ،لا بل أنها لم تتناسب مع الاعداد المتزايدة للطلبة ، حيث أصبح الجميع تقريبا" يبدأون مع المدارس ولكننا نقتل فيهم روح الحماسة والاندفاع الذي يبتدأون فيه ، خلال فترات الدراسة المختلفة ، فالدراسات الاحصائية تشير اليوم الى نسب مخيفة من المتسربين من الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية ! كما ان الظروف التي مر بها بلدنا و السبات الذي عاشه ابان سنوات الحرب والحصار الذي اعقبه، جعل أعداد المدارس يقف عند حدود معينه لاتتناسب مع أعداد الطلبة بأي حال من الاحوال ، وأصبح من الطبيعي جدا ان نرى بناية مدرسة يتعاقب عليها مدرسة صباحية وعصرية ومسائية وليس هذا فقط بل ان الصف الواحد يمتلئ بأعداد خارج الضوابط العلمية ، حيث ان الصف النموذجي الذي يستوعب فيه الطالب الدرس ويستطيع المدرس ان يتابع فيه طلابه ويصبحون معروفين من قبله ، هو مفقود اليوم في مدارسنا ، كما ان الصف الواحد يمكن ان يوجد منه خمسة شعب أو أكثر مما جعل الدراسة تصبح شكلا" روتينيا" خاليا" من التفاعل الايجابي بين المدرس والطالب ناهيك عن أهتمامنا بالجوانب النظرية وأهمال الجوانب التطبيقية،فمثلا"تعنى مدارسنا بتدريس اللغة الأنكليزيةلسنوات طويلة ولكن خريج الأعدادية لايجيد التكلم ببضع جمل منها،وكذلك العلوم فنحن ندرس الفيزياء والكيمياءوغيرها، ولكن الخريج لايجيد تطبيق أي شئ عملي،وهذا يتضح اليوم على حياة أغلب الخريجين،فهو أذا لم يجد وظيفة نمطية في أحدى دوائر الدولة فأنه يبقى عاطلا"عن العمل .وقد ذكر أحصاء قريب أنه لاتزال هناك ( 106) مدرسة طينية و(65)مدرسة تم هدمها ولم يتم أعادة بناءها في محافظة ذي قار وحدها . ان الواقع الدراسي اليوم في مدارسنا هو من الهموم الرئيسية للاسرة العراقية ،حيث يشتكي لك البعض من ان ابنه في الاعدادية ولايجيد القراءة والكتابة الصحيحة ! وهذا واقع مر تحاول بعض الاسر المتمكنة ماديا" معالجته باللجوء الى المدرسين الخصوصين أو المدارس الاهلية . كما ان الاعداد الكبيرة من المتسربين من المراحل الدراسية تنبأ عن جو دراسي خالي من المتابعة والبحث والتطوير ، والمشكلة تقع على عاتق جميع الاطراف فالدولة تكاد تنشغل اليوم بامور الامن وتهمل الجوانب المهمة الاخرى ومنها الواقع الدراسي الحالي المعاش داخل مدارسنا ، ، ومدرسنا اليوم يلقي محاضرته أن حضر، وكفى المؤمنين شر القتال ، وللاسف الشديد فقد أختفى المدرس السابق، الذي كان يتابع الطالب ويعرف همومه ومشاكله ويميز بين الطالب الذي يتوقع له مستقبلا" وبين الطالب الاعتيادي ، لابل بدأنا نرى و نسمع العجب ، فان البعض يذكر ويجاهر أمام طلبته أذا كانوا يريدون النجاح في درسه فعليهم الدخول عنده في الدورة الخاصة التي يقيمها خارج المدرسة ! ، ولا نريد ان نسرد فنتهم بالاساءة الى المدرس ، ولكننا نعتقد ان الاتجاه اليوم الى التدريس الخصوصي (والذي لاتستطيعه الكثير من عوائلنا اليوم ) هو قصور في الواجب التدريسي في الدرجة الاولى وقصور في مؤسساتنا التدريسية ، كما ان شيوع المدارس الاهلية هو قصور في أجراءات الدولة وتقصيرها في بناء المدارس ورصد التخصيصات الكافية لها ، حيث اننا لايمكن ان نقول ان هناك نقص في الكادر ، وهناك الاف الخريجين من التدريسين حاليا" عاطلين عن العمل ،ومن جانب آخر فأن موارد العراق المتسربة الى الخارج تعيش عليها دول بأعتراف السادة المسؤولين عندنا . اننا لانملك سوى ان نأسف للواقع الدراسي الذي يتراجع في وقت تتقدم فيه الحياة وتبرزفي العالم المدارس الحديثة التي تعتمد امكانيات وطرق حديثة تجذب الطالب وتشده الى الدرس والمتابعة .وبالعكس من ذلك فأن للمناهج النظرية الجافة وعدم استمكان قدرات الطلبة المهارية دورا" كبيرا" في العزوف عن الدراسة. نامل ان تلحق بمؤسساتنا التعليمية مراكزللبحث والتطوير لدراسة مشاكلناالدراسية في المراحل كافة ووضع الحلول الناجحة لها بالتعاون مع قادة البلد حيث ان الوقاية خير من العلاج واننا بتدعيم مدارسنا وواقعنا الدراسي انما ننشأ جيل سليم بدنيا" وعقليا" يعزز قدرات العراق ويبني ما نصبوا ان يتحقق لبلدنا من أزدهار في كل المجالات وهذا خير من ان نترك أبناءنا وهم في اعمار الورود ينخرطون في متاهات بالضد من مصلحتهم ومصلحة الوطن .
|