قبل عشر سنوات وفي مثل هذه الايام تحديدا بدأت الالة العسكرية الامريكية وحلفائها بشن حربهم على العراق بهدف تغيير النظام البعثي، الذي وقفوا الى جانبه في العام 1991 لينقذوه من الانهيار المؤكد بعد ان اندلعت واثر الانسحاب من الكويت في العام 1991 تحت وطأة القصف الامريكي ، اروع انتفاضة شعبية مسلحة ولتسقط خلال اسابيع جميع المحافظات الجنوبية ومحافظات اقليم كردستان بيد المنتفضين.
وعلى رغم القصف الامريكي الشديد على بغداد تحديدا وزحف الجيوش نحوها ومدى القلق المشروع عند ابناء شعبنا من نتائج الحرب التي ستطيح - أطاحت - باشرس نظام دموي قمعي عرفته بلادنا والمنطقة، الا اننا كنا نستمتع على رغم اعمدة الدخان وصفارات الانذار وقلقنا على البلد وشعبنا ونحن متسمرون امام اجهزة التلفاز بتصريحات غوبلز العراق حينها اي الاضحوكة المدعو الصحاف اثناء مؤتمراته الصحفية اليومية، حول انتصارات الجيش العراقي الباهرة في معركته ضد العلوج الامريكان، واستمر الصحاف بلعب دوره المضحك هذا حتى الساعات الاخيرة لهروب قيادة نظامه وهو يشاهد دبابتين امريكيتين على جسر الجمهورية، والتي كانت ايذانا بسقوط حقبة مظلمة من تاريخ العراق، ولم ينتحر الجيش الامريكي على اسوار بغداد مثلما قال الصّحّاف الاكبر حينها اي رأس النظام المجرم صدام حسين.
لقد توقع الكثير من العراقيين ان حالة الصّحّاف انتهت في البلد برحيله ونظامه أذلاء الى حيث يجب ان يرحلوا، مستبشرين بنظام سياسي جديد سيبدأ ببناء البلد التي تركها البعثيون مجرد اطلال. الا ان استبشارهم هذا اصطدم منذ اليوم الاول ولليوم بتحول حالة الصحاف الى ظاهرة لتشمل سياسيين من اعلى المستويات وصولا الى سياسيين من الدرجات الدنيا. ولا يميز صحّافي اليوم عن زميلهم السابق شيئ يذكر فالاثنان كذّابون ولا يخجلون وهم يسوّقون كذبهم هذا الى الجماهير دون اي حياء معتمدين على ما يبدو على الذاكرة الضعيفة لابناء شعبنا، متناسين ان هذه الذاكرة ليست ضعيفة مطلقا ولكنها في اجازة مفتوحة نتيجة الوضع الطائفي وتداعياته على حياتهم وحياة وطنهم، وسوف تلغي الجماهير اجازتها يوما ما نتيجة تردي الاوضاع السياسية والامنية والحياتيةـ التي اثرت وتؤثر على مزاج الناس وطريقة تعاطيهم مع ساسة لم يقدموا لناخبيهم اي شيئ منذ ان وصلوا باصواتهم الى السلطة وليومنا هذا.
لو عدنا الى شباط 2010 والتظاهرات التي خرجت مطالبة بالخدمات وتصحيح العملية السياسية التي لازالت لليوم تراوح مكانها ان لم تكن قد تراجعت عن ذي قبل، فاننا نستطيع الاشارة الى صحّاف جديد هو السيد رئيبس الوزراء الذي خرج الينا مطالبا بفترة 100 يوم لاصلاح الامور مع وعد قطعه امام الجماهير بعدم ترشيح نفسه ثانية لمنصب رئيس الوزراء، وها هو اليوم يقاتل وبطانته - وبعد عدم تنفيذ اي امر خلال مهلة المئة يوم - من اجل الفوز بمقعد رئاسة الوزراء على رغم قرار البرلمان المسؤول عن تشريع القوانين بعدم احقيته اثر تصويت بالاغلبية.
ان المالكي ليس الصحّاف الوحيد في مهزلة الواقع السياسي اليوم، فها هو السيد الشهرستاني الذي وعد دول الجوار المحتاجة للكهرباء العراقي بتصديره لهم في الثلث الاول من العام 2013 !!، بعد ان اكّد انتهاء ازمة الكهرباء في العراق نهاية عام 2012 اثناء تصريح صحفي للاعلام بتاريخ 25/3/2012 . فهل ازمة الكهرباء انتهت حقيقة يا صحّافنا الجديد؟ ام ان ظاهرة الصحّاف قد استهوتك ؟
وهناك صحّافيون جعلوا من انفسهم اضحوكة بالفعل ومن مختلف القوائم ومنهم حتى رجال دين عليهم ان يلتزموا بالحد الادنى من الصدق لان الكذب صغيرا كان ام كبيرا يعتبر محرّم شرعا. فهناك ساسة يهددون حكومة محاصصة هم جزء اساسي منها بالانسحاب منها الا انهم يعودون في اليوم التالي او احيانا بعد بضع ساعات لا غير ليغيروا موقفهم. وهناك ساسة يوقعون اتفاقات مهمة مع كتل سياسية اخرى الا انهم لا ينفذون ما اتفقوا عليه خوفا على وحدة ابناء الطائفة ، وينسى هولاء الصّحّافيون الجدد ان الوطن اغلى واهم الطوائف.
لقد سأل مواطن عراقي الصحاف الاصلي قبل ان يقلده الاخرون من خلال برنامج تلفزيوني بث على قناة دبي الفضائية بعد وصوله اليها سؤالا اعتبره الصحاف حينها استفزازيا رافضا الاجابة عليه. والسؤال كان حول رأي الصحاف وهو ينظر الى دبي من خلال نوافذ طائرته اثناء هبوطها وهل اثر منظر المدينة على كرامته كمسؤول ترك عاصمة بلده اشبه بمدينة اطلال علما ان العراق دولة كبيرة مقارنة بدبي التي كانت حتى الامس القريب صحراء بلقع. وبدوري اليوم استعير السؤال نفسه لاسأل ساسة العراق من الصحافيين الجدد ، اين كرامتكم وانتم تبددون مئات ملياردات الدولارات لتزيدوا اطلال بلدكم خرائب جديدة. والا تشعرون بالاحراج ولا اقول العار عندما تزورون بلدا كالاردن الفقيرة مقارنة مع "بلدكم" مثلا وفيها من الخدمات ما يحلم به اي عراقي.
وانه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل . "الامام علي -ع - "
24/3/2013 الدنمارك
|