الرغبة والرهبة

«الناس تعمل بدافعين فقط، الرغبة أو الرهبة». 
لست أذكر قائل هذه الجملة، ولكني أوافق على أنها صحيحة تماما. هناك بالفعل بشر ولدوا بهذه الرغبة، أن يعملوا وأن يبذلوا في عملهم أقصى جهد ممكن. وهناك بشر آخرون يعملون بدافع من الخوف، الخوف من عقاب ما. وبالطبع يكون الفصل من العمل هو أخوف ما يخافونه. ولما كانت المجتمعات الاشتراكية لا تعرف الخوف، نظرا لأن صاحب العمل هو الشعب نفسه، لذلك كان من المستحيل - إلا في أحوال نادرة - أن تسمع عن فصل عامل في مصنع أو موظف في إدارة حكومية. وفي الغالب وطبقا لقوانين معقدة للغاية، يعود المفصول إلى عمله بحكم محكمة لأن فصله كان تعسفيا.
وهناك فئة ثالثة هي هؤلاء الذين يتمتعون بقدر من السادية تدفعهم لإيذاء الناس في المجال الذي يعملون فيه، وذلك بالتطبيق الخاطئ للقوانين واللوائح للاستمتاع بإذلال ضحاياهم. وهؤلاء الساديون يكثرون في المجتمعات السلطوية والاشتراكية، إذ هي تمثل جنتهم على الأرض. بالطبع هناك المرتشون والفاسدون والمتربحون ولكن هؤلاء تتولاهم عادة الأجهزة الرقابية والأمنية. هم ليسوا في حاجة لمن يخيفهم بل لمن يسجنهم.
الرغبة أو الرهبة إذن هما الدافعان للعمل شئنا أم أبينا الاعتراف بذلك. هناك بشر في حاجة إلى أن يخافوا، ماذا تفعل لهم.. هل ستسمعهم موسيقى؟
نأتي الآن إلى البشر النبلاء الذين يعملون لأنهم يريدون أن يعملوا. انتظر لحظة.. لا تطمئن لهم، هم أيضا أحد مصادر التخلف في مجتمعات هي أصلا متخلفة. بالطبع سيعملون بإخلاص طبقا لما تعلموه في مجتمعاتهم، فإذا كانت هذه المجتمعات المتخلفة لا تعرف آخر ما وصل إليه العلم والعالم في سوق الإنتاج، كان من المتوقع أن تعمل بإخلاص شديد لتنتج سلعا عاجزة عن المنافسة في الأسواق. ولذلك يحدث في أحيان كثيرة أن تغلق بعض الحكومات الاشتراكية (الشر برّه وبعيد) عددا كبيرا من المصانع لتقليل خسائرها، مع الاستمرار في دفع مرتبات العاملين بالإضافة بالطبع للأرباح (؟!) والحوافز. وبدل السهر.
العمل في حد ذاته ليس هو المطلوب في هذا العصر. المطلوب هو دخول حلبة السباق المنصوبة لكل شعوب الأرض، أي أن تكون جزءا فاعلا في هذا العالم وقادرا على إنتاج سلعة تنافس بها الآخرين.
المجتمعات الاشتراكية تزدهر فيها المقولات التي تشبه حواديت أمنا الغولة والشاطر حسن، ومنها أن يطلب بعض المثقفين من هؤلاء العاجزين عن العمل أن يتركوا أماكنهم لمن هو قادر على العمل والإنتاج.. تخيل معي المشهد، موظف كبير يدخل على رئيسه ويقول له: «يا سعادة البيه، يحتم عليّ الشرف الإنساني أن أبلغك أنني اكتشفت أني عاجز عن العمل. لست أتمتع بالكفاءة المطلوبة لذلك.. هات حد تاني عشان أنا حاروّح».
لو أنك تصورت إمكانية حدوث هذا المشهد، فلا بد أن تتخيل بقية المشهد عندما يرد عليه رئيسه: «ومن سمعك يابني.. أنا مش نافع في الوظيفة دي.. وعاوز أروّح، اكتشفت إن كلنا مش نافعين ولازم نروّح.. المشكلة إن مفيش حد يقدر يروّحنا».