علبة ديدان مأساوية؟!

الدكتاتور قوة ضغط هائلة تُحْكِم إغلاق علب الديدان السلوكية , وتكبسها كبسا مروّعا فتقبع في مكامنها على مدى القرون , وقد حصل هذا في مجتمعاتنا منذ أن عرفت الدولة ونظام الحكم قبل آلاف وآلاف من السنين , وما كانت أنظمة الحكم إلا مستبدة طاغية تستحضر قدرات الكون والسماء , وتضعها على عاتق شخص واحد يكون صوته وقراراه هو الفاعل النافذ السائد.

وما أن جاءنا السيد ديمقراط , حتى تهاوت القدرات الكافية لإحكام غلق علب الديدان المتوارثة , فانفجر ما فيها بغتةً وبلا روادع أو حذر , فانتشرت في أصقاع وجودنا , وراحت تترجم ما تعتق فيها من مفاسد الرؤى والتصورات والأفكار , حتى لتجدنا اليوم في مستنقع متضابح تفوح منه أنتن الروائح , وتزكم الأنوف جيفه المتفسخة , وتؤذيك الحشرات المتراكمة حوله , وتهاجمك جحافل البعوض المتأسدة المهيمنة على فضاءات الحياة فيه.

عالم من الديدان العمياء السابغة , الساعية للتعويض عما تراكم فيها من الرغبات السيئة , المحشورة في أروقة وجودها منذ الأزل , وها هي قد إنفلتت وتسلطت وتفاعلت واكتسحت ميادين الدنيا , وتسلحت وتعقدت وأنفذت سمومها في كل حي يسعى من حولها , ولا يؤمن بديدنها ومراميها الحمقاء.

ديدان تتنامى وتستحيل عقارب وأفاعي وحنافيش , وتمتلك قدرات الإبادة والإنتقام من التأريخ والحضارة والإنسانية , وترفع رايات مخادعة , وتظهر بمظاهر مراوغة ومنافقة , لكنها تحقق ما تريد , وتدمر ما يعترض مسيرها المحموم المفعم بالسيئات والخطايا والشرور.

ديدان معاصرة , لم يتمكن الطغاة والعتاة من سحقها وإبادتها , وإنما توهموا بأن خنقها وكتم أنفاسها سيكفي للقضاء عليها , وما أدركوا بأنها لا تحتاج إلى هواء , وأنها تتكاثر في الظلماء والركود وبغياب الأوكسجين , لأنها لا تنتمي للحياة , وإنما تعيش في الأجداث وتتوطن القبور , ولا يعنيها إلا الموت , لأنه سفينة نجاتها وبرّ أمانها, وموصلها إلى أحلامها الوردية وجنات أنسها ومرحها , وعالم نزواتها المطمورة في غيها وضلالها الشديد.
ديدان تكاثرت , وآفات تراكمت , وعظايا توالدت , ولا يزال السيد ديمقراط يحسب بأنه الخيار الحضاري المعاصر , الذي سينتصر على هذه الديدان , وسيتمكن من ردم مستنقعات وجودها , ويضيئ أنفاق ظلماتها , ويبدد دياجير أدمغتها المحشوة بالخرافات والأوهام , والتصورات السوداء.

السيد ديمقراط يعيش في أحلام يقظته , والديدان تعيث في الأرض فسادا , والواقع الأليم يزداد وجعا وقهرا , والطرفان في فنتازيا الوصول إلى هدف موهوم , ويتلذذان بمطارة السراب في ظهيرة العصر الساطع الأنوار والتجليات.

السيد ديمقراط بحاجة لمصحة عقلية , وعلى السيد دكتاتور أن يثب إلى المكان قبل أن تتسيّد فيه الديدان؟!!