تضارب المصالح .. والحلول الوسط

 

في معظم العلاقات الدولية، سياسية أو اقتصادية كانت أو غير ذلك، يكون المعيار الأول، مقدار المصلحة المتحققة لكل طرف، ويندر أن تجد علاقات مبنية على المبادئ، كهدف ورابط وحيد ومطلق.
يمكن لجهة ما أن تفرض إرادتها على أخرى، وتأخذ معظم المكاسب والمصالح، التي تنتج من هذه العلاقة، لقوتها أو قدرتها على إرغام الطرف الأخر على التنازل، والذي بدوره يقبل بهذا، لظروف أو معطيات تضطره لذلك، لكن هذه ليست علاقة تعايش ومشاركة، بل هي علاقة تنازل وإذلال.
لا تختلف كثيرا العلاقات بين مكونات دولة ما، عن العلاقات بين الدول، فما يربطهم هو المصلحة المشتركة، في بقائهم ضمن الدولة الواحدة.. تاريخهم ومصيرهم المشترك، وكيفية التعايش بينهم، بما يضمن تحقيق حدود مقبولة من مصالح كل طرف، دون التعدي المجحف على حقوق الأخرين.
كان العراق وما يزال، محل أطماع دولية وإقليمية، تحاول أن تتدخل فيه، بما يلائم مصالحها في المنطقة والإقليم، ومن أدوات تلك الدول، وجود مكونات من الشعب العراقي، ترتبط مع تلك الدول، بالقومية أو الدين أو المذهب، ووجود أفراد من هذا المكون، يرتبطون بعلاقات سياسية أو شخصية، مع هذا البلد.. بعض هذه العلاقات تأتي بمصلحة للعراق، وهو شيء نادر.. لكن غالبها، يكون على حساب مصلحة العراق وشعبه!.
كشف سقوط النظام، عما كان مخفيا، من إنشقاقات عميقة في المجتمع العراقي، زرعها النظام البعثي، بتقريب مكونات وقمع أخرى، وبين كذلك سهولة إندفاعنا، بإتجاه تمزيق البلد، ونسيجه الإجتماعي، ودفعه بإتجاه مصير مجهول، مع أقل إستفزاز أو حادثة، يمكن أن تتعرض لها أي جهة.
تأثير الدول إقليمية كانت أو عالمية، لم يكن إيجابيا على الوضع العراقي، وبإتجاه لم الشمل، بل كان باتجاه معاكس، ويدفع باتجاه التشدد في المطالب، وإستغلال أي حادث هنا، أو هفوة هناك ليطالب بما لا يمكن تحقيقه، ويجعله شرطا تعجيزيا، مستغلا رغبة الطرف الأخر في الحفاظ على وحدة العراق، وهي رغبة ممكنة التحقق إن صدقت النيات.
من حق كل طرف أن يطالب، بحقوق جمهوره، ويدفع باتجاه الحصول على أقصى ما يمكن منها، لكن التفكير بهذا الشكل الأحادي والضيق، لن يجعل تلك المطالب تتحقق، فالطرف الأخر، لديه مطالب لجمهوره، ولديه القدرة على التشدد فيها، وربما قد يملك الأغلبية والقدرة على فرضها.. فكيف سيكون الحال عندها؟.
الموضوعية والعقلانية، في الطرح والمطالبة، هي ما يجب أن يسود العلاقات، والخطابات الإنفعالية المتشنجة، ستدفع الطرف الأخر ربما، للإنجرار إلى موقف مماثل، وعندها لن يربح أحد وسيخسر الجميع، والمستفيد الأول، جهات خارجية، منها من يريد تصدير مشاكله، ومنها من يريد جعلنا ساحة لمعاركة مع المتطرفين، ومنها من يريد جعلنا ورقة تفاوضية.. فهل هذا ما نريده فعلا؟!.
المطالبة بالمعقول، والرضا بالمقبول، وحفظ حقوق الآخرين، والوسطية في الخطابات والمواقف، والتجاوز عن الهفوات البسيطة،وتقديم التنازلات المعقولة، لطمأنة الآخرين، هي الحلول وإلا.. فالويل لنا.