الوعد المبين ..لإستخلاف المؤمنين ... الحلقة الرابعة

 

 

ذكرنا في الحلقة السابقة من هذه السلسلة من المقالات والتي تعنى باشأن المهدوي إن الله سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة بإستخلافهم في الأرض, وتمكينهم من نشر الدين الحق ,وانه سيمتعهم بالأمن بعدالخوف والإستضعاف.

وإبتداءاً في حلقتنا هذه نذكر ,إن الإستخلاف معناه هو ان الله جلت عظمته يجعل خليفة بدلاًعنه ,يباشر قيادة المجتمع البشري بدلاً عن أن تكون القيادة منه مباشرة ,فهو المتعال الذي لاتدركه الأبصار, والغرض من إيجاد الخليفة ,هوالاستفادة به من جميع الخيرات التي خلقها المنان المتعال على وجه البسيطة, وتدبير الأمور الحياتية وشؤونها لبني البشر,والعبور بالناس الى شاطيء الأمان ,وإخراجهم من الظلمات الى النور.

وبهذا الصدد فان المفسّرين قد إختلفوا ,فبعض منهم يرى أنّ الوعد الإلهي بالإستخلاف خاصّ بأصحاب الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين إستخلفهم الله في الأرض في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وبعض يرى إن الاستخلاف خاصّ بالخلفاء الأربعة الذين خلفوا الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن المفسرين من يوسع دائرة الإستخلاف ليشمل جميع المسلمين الذين إتصفوا بصفات الإيمان والعمل الصالح .

ويرى آخرون ومنهم أتباع مدرسة أهل البيت ,أنَّ الوعد الالهي بالإستخلاف إشارة إلى حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) ,والذي يخضع له الشرق والغرب ، ويجري حكم الخالق العظيم في عهده ,بعد تمكينه في جميع أرجاء العالم، ويزول الخوف ويعم الأمان والإستقرار ,ويتحقق الغرض الإلهي في عبادة الله بعيداً عن كلّ أنواع الشرك(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) الذاريات - الآية 56,فتملأ الأرض بالمهدي عليه سلام الله قسطاً وعدلاً بَعدَ أن مُلئت ظلماً وجورا, وقد روى العلامة الطبرسي أنه: قد روي عن أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حول هذه الآية من سورة النور (إنّها في المهدي من آل محمد).

وفي تفاسير عديدة نقل عن الإمام السجاد(عليه السلام) في تفسير الآية المباركة من سورة النور أنه قال: «هم والله شيعتنا ـ أهل البيت ـ يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منّا، وهو مهدي هذه الأُمة يملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهو الذي قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي، إسمه إسمي، يملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

وفي نهاية هذه الحلقة,لابد من الإجابة عن تساؤلين على درجة من الأهمية وجديربان يلتفت إليها, ولعله لنا عودة إليها في الحلقات التي ستتبع, ألأول وهو ,هل إنّ كلمة "الأرض" التي وردت في نص الآية المباركة مطلقة وشاملة للأرض كلها, وغيرمحددة بمكان ما ، أم إن الإطلاق الذي ورد لا إعتبار فيه ؟.

وللجواب على ذلك نقول :إن خلافة وحكومة مَن سَبَق , واستخلف على الأرض من قبل فانه بالتأكيد لم تشمل الأرض كلها ,ولم يشير أحد من المفسرين وغيرهم الى غير ذلك ,أما الوعد الإلهي بنصر المؤمنين الصالحين الغير قابل للتغيير, و الوارد في هذه الآية المباركة ,فهو شامل لسلطتهم على كل أرض ,أمكن تواجد الانسان فيها ,والعيش على وجهها ,ولايحتمل غير ذلك ,لعدم وجود أي دليل ينافي مافهمناه ونقلناه بتصرف, والفرد مهما كان لايتجاوز حدود فهمه.

والتساؤل الثاني هو,هل إن الأرض تخلوا من المذنبين والخاطئين ,وجميع المنحرفين في ظل حكومة العدل الإلهي ,حكومة الامام المهدي عليه السلام؟

ونقول :إن مفهوم الحكومة العادلة في ظل الإمام المهدي ودولته , هو إدارتها من قبل المؤمنين الصالحين الأكثر إخلاصاً تحت قيادة الإمام سلام الله عليه ، والصفة السائدة فيها خلوها من الشرك, وإن مجال الإنحراف موجود فيها ,وفي كل مجتمع مهما كان هذا المجتمع فاضلاً,ذلك لإن الإنسان قَدْ وُلِدَ ويموت حرا ً,والله جل علاه يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة - الآية255-256.