نقد " التّطبيل والتّزمير" في الأردن

 

 

يمكن أن نقسّم النّقد في الأردن على قسمين،القسم الأوّل،وهو المسيطر،والأكثر عدداً وحضوراً،وهو النّقد الذي يمكن أن أسمّيه تجاوزاً نقد"التّطبيل والتّزمير"،وهو نقد لا يقوم على منهجيّة ولا علم ولا دراية ولا تخصّص،إنّما يمارسه أشباه المتعلّمين ومدّعين النقد،وفي الغالب هم يحملون شهادات دنيا،أو لا يحملون شهادات أصلاً،ولكن بحكم توظيفهم في وظائف دنيا أو عليا في ملاحق ثقافيّة أو صفحات ثقافيّة أو زوايا ثقافيّة أو حتى بحكم  وجودهم في صفحات ثقافيّة أو وجودهم في مؤسّسات ثقافيّة في أيّ درجة من الدّرجات فإنّهم يهبون أنفسهم لقب نقّاد كبار دون معرفة أو ثقافة أو دراية أو دراسة،ويشرعون يقدّمون انطباعاتهم الشّخصيّة من المنابر الذي يقفون عليها على اعتبار أنّهم نقّاد الأردن الأوائل،وينسون حقيقة أنّهم ليسوا إلاّ موظفين في مكان ثقافيّ،وهذه الوظيفة لا تجعل منهم نقّاداً أو محللّين أو مبدعين ما لم يكونوا أساساً كذلك،وهؤلاء الشّرذمة الدّعيّة يشوّهون المشهد النّقديّ الأردنيّ بشكل كامل،ويعملون في الغالب بوظيفة (التّطبيل والتّزمير) وفق سياسية الشّلليّة والعنصريّة والجهويّة والعصابات والمافيات الثّقافيّة التي تعمل بمنطق المصلحة والنّفعيّة،وفي الغالب هي تعليّ من قيمة (الخربشات) التي لا ترتقي إلى أن نسمّيها أدباً أو نصوص إبداعيّة،في حين أنّها في الغالب تتجاهل المبدع الحقيقيّ؛لأنّه في الغالب لا ينتمي إلى هذه العصابات،ويربأ بنفسه على أن يكون أسيرها،وهو في الوقت نفسه يشكّل حائطاً صلباً أمام أشباه النّقاد الذين يتصدّرون المشهد النّقدي الأردني بحكم عملهم في وظائف ثقافيّة،حتى ولو كانت هذه الوظيفة في حقيقتها هي وظيفة خدميّة،ولا علاقة لها أساساً بالإبداع والكتابة.والمبدع الحقيقيّ يكون هدف أولئك الدّعاة بالتّهميش والتّجاهل؛لأنّه غني عنهم بإبداعه وموهبته ونفسه الأبيّة كما هو حال كلّ مبدع حقيقيّ،لا يقبل أن تكتب عنه الأقلام الرّديئة،ويرفض مبدأ المقايضة الرّخيصة التي تجعل منه نجم غلاف ورقيّ أو مادة لدعي ما مقابل تنازلات أو خدمات يقدّمها.

وهؤلاء الدّعاة لا يتردّدون أبداً في أن ينصّبوا من شاءوا على عرش الإبداع ،ولو كان قد كتب سطرين لا أكثر،ويخلعون الألقاب الرّنانة على من يشاءون من الّدعاة أمثالهم خبط عشواء ما داموا يعتقدون أنّهم أحرّار فيما يكتبون وفيما يخلعون من خلع على من يريدون بحجّة أنّ وظائفهم تسمح لهم بأن ينشروا ما يشاءون عبر وسائل الإعلام على اعتبار أنّهم النّقاد الأوائل في الأردن،وكثيراً ما يصبح أولئك النّقاد رغم أنف الحقيقة ساحة للسّخرية والتّندّر في المشهد الثّقافي كلّه؛لأنّهم يمارسون دور "النّاقد الأراجوز" الذي يقترف أكبر المغالطات النّقديّة دون حتى أن يشعر بفداحة ما يقوم به.

  والطّريف في الأمر أنّ أولئك الدّعاة في الغالب هم جهلة وأميّون أو أشباه ذلك،وهم دائماً غير مثقّفين لا تتعدّى قراءاتهم الوقوف عند الأغلفة وإنزالها مرافقة لمقالاتهم بالألوان دون حتى أن يحملوا شهادة من أيّ نوع أو يتلقّوا أيّ تعليم أكاديميّ أو منهيّ أو خبراتي،بل إنّهم في الغالب لا يجيدون الإملاء الصّحيح أو تركيب جملة صحيحة أسلوبيّاً وتركيبيّاً ونحويّاً وإملائيّاً!

  وهذا النّوع من النّقاد في الأردن يشكّل جيشاً من المرتوقة التي ترهق المشهد النّقدي في الأردن،وتلّوثه،وتسيء إليه،وليس هناك حلّ لاجتثاثهم إلاّ عبر ثورة ثقافيّة تقوم بتصفيتهم،وإبعادهم عن الوظيفة النّقديّة،ووضعهم في سياقاتهم الطّبيعيّة والصّحيحة في المهام الخدميّة في مؤسّساتهم لا أكثر من ذلك.

ولكن-للأسف- قد يبقى أولئك الذين يشوّهون المشهد النّقدي في مواقعهم الوظيفيّة لسنوات طويلة،وبذلك نستطيع أن نتخيّل مقدار الفساد الذي يلحقونه بالمشهد النّقدي،وهم "يطبّلون ويزمّرون" لمن يدفع مقابل ذلك بغض النّظر عن الثّمن وعن طريقة الدّفع،ولكن بمجرد إبعادهم عن مواقعهم الوظيفيّة،فإنّهم يغدون أسماء ساقطة في الظّل لا يذكرها أيّ أحد إلاّ بالتّندّر والسّخرية،ولا يُستشهد بآرائهم النّقديّة في أيّ شأن،بل قد يكون "تطبيلهم وتزميرهم" لعمل ما هو سبّة على ذلك العمل وانتقاص له،لا قيمة مضافة له،وفي النّهاية تكون النّتيجة أن يسقط أولئك الدّعاة في الظّل هم والأعمال التي خدموها بأقلامهم ونقدهم ومواقعهم الوظيفيّة دون وجه حقّ أو استحقاق،في حين أنّ العمل الإبداعي هو من يُكتب له الخلود على مرّ الأيّام والسّنين،وكم عمل رديء "زُمّر وطُبّل" له،لكنّه وقع على الرّغم من ذلك في الظّل دون أن ينال اهتمام أيّ بشر،وكم عمل إبداعيّ عظيم نال الخلود بذاته. إذن فلا يفرحنّ النّقاد المأجورون بحكم بوظائفه فهم لا يقدّمون شيئاً للمشهد النّقدي الأردني سوى بعض النّقيق الذي لا قيمة له.

  أمّا القسم الثّاني من النّقد الأردني فهو النّقد الأكاديمي العلميّ القائم على أسس علميّة نقديّة حقيقيّة،وفي الغالب من يضطلع بهذا النّوع من النّقد هم الأكاديميون المتخصّصون،وهؤلاء إن سقطوا أحياناً في فخّ العلاقات الشّخصيّة والنّفعيّة والعصابات الأكاديميّة المتأثّرة بخارطة المصالح في المشهد النّقدي في الأردن إلاّ أنّنا نستطيع أن نطمئن إلى حدّ ما إلى أنّ ما يقدّمونه من نقد هو نقد حقيقيّ قائم على أسس علميّة،لا مجردّ "تطبيل وتزمير".وفي الشّأن نفسه نستطيع أن نفخر بالكثير من الأسماء النّقديّة الأكاديميّة الأردنيّة التي نالت الاحترام والاعتراف على المستويين الأردنيّ والمحلّي عبر أقلامها النّقديّة الشّريفة التي تدفع بالإبداع الحقيقيّ نحو الضّوء في عمليّة نقديّة مسؤولة وجادّة تعدّ النّقد عمليّة جماليّة أخلاقيّة ذات مسؤوليّة عالية،لا مجرّد "تطبيل وتزمير" وصولاً إلى رخيص الأهداف والمغانم.

   لكن النّقد الأكاديمي ليس دائماً هو أرض الأمان للإبداع والمبدع الحقيقي لاسيما عندما يركب الوهم رؤوس الكثير من الأكاديميين غير المتخصّصين بالنّقد؛فهناك حالات مشهورة ومعروفة في الأردن تصمّم على أنّها ناقدة خبيرة لمجرد حملها لشهادة دكتوراه ليست أساساً في تخصّص يسمح لها بالتّعامل مع النّص الإبداعيّ،فالشّهادة العليا ليست جواز سفر شرعيّ بأيّ شكل من الأشكال نحو عالم النّقد،بل النّقد الأكاديميّ هو عمل أكاديمي علمي متخصّص له أعرافه التي لا يمكن احتراقها بأيّ من الأشكال ولو بشهادة دكتوراه في تخصّص ما!

 

 

.