العراق كان على حق

 

لم يلتفت المجتمع الدولي ومنذ سنين خلت الى خطورة التنظيمات الإرهابية وبشاعتها التدميرية وحرفنتها العالية في القتل وممارساتها اللااخلاقية واللاانسانية المتخلفة والمتوحشة، إلا بعد أن وصلت نار الإرهاب الى تخوم الكثير من الدول التي اكتوت بناره ـ كما اكتوى العراق بهذه النار لأكثر من عقد من الزمان ـ والتي ظنت انها ستبقى بمنأى عنه.
وقد اخطأ المجتمع الدولي التقدير حين ظن أن مسألة الإرهاب هي مسألة داخلية تخص بعض الدول التي لها مشاكل من هذا النوع كالعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها ممن لديها مشاكل عرقطائفية واثنية، وحين ظن أن الارهاب لن يتمدد تمددا زئبقيا غير مسيطر عليه وفي كل ارجاء العالم كما يحصل الآن.
وقد اخطأ المجتمع الدولي التقدير ايضا حين بلع الطعم القاتل المعد من بعض الجهات والدول الإقليمية في الشرق الاوسط الممولة والمساندة للإرهاب بأن قضية الإرهاب هي قضية طائفية بحتة وهي قضية صراع تاريخي مستديم ولن يتطور لأكثر من ذلك الحد، فهو "صراع" يحتدم تارة وتارة يخبو بحسب الظروف وله أهدافه المرسومة له، فالإرهاب يستهدف شرائح بعينها او دولا معينة ولن يتعداها الى غيرها التي ستكون "بأمان" ولا داعي للقلق ما دامت الأهداف والأجندات والجهات التي يتوخاها الإرهاب معروفة ومكشوفة بحسب ما روَّجت وسوقت هذه الجهات او الدول.
لكن العراق كحقيقة تاريخية اول من نبَّه الى خطورة الإرهاب على الصعيد العالمي وليس المحلي والإقليمي فحسب، وهو الذي كان أول ساحة في العالم قد استفحل وتغول فيها الارهاب بكل صوره وأشكاله وأنماطه ومستوياته وذلك بعد التغيير النيساني وحتى الآن لأسباب منها خارجية بفعل أطراف إقليمية لم تستوعب عملية التغيير السياسي في العراق والذي أطاح بالديكتتورية الشمولية وأقام عملية سياسية ديمقراطية شفافة تجري لأول مرة في الشرق الاوسط.
ولــم تهضــم تلك الأطراف المتغـيرات العراقية وبالمعنى الأدق انها لم تشأ ان تهضم تلك المتغيرات إما خوفا من انتقال "عدوى" الديمقراطية الى بلدانها او لأسباب سياسـطائفية وإيديولوجية مبيتة ومكشوفة.
والعراق هو اول من دق جرس الإنذار من سنين خلت ونبّه المجتمع الدولي الى حقيقة الإرهاب وماهيته مؤكدا ثلاث حقائق وهي، أولا ان الإرهاب المستشري في العراق او في غيره كسوريا مثلا هو ليس اصطراعا طائفيا تاريخيا بل هو مشروع تدميري متكامل وليس حلقة من حلقات مسلسل الصراع الطائفي السني/ الشيعي، وهو صراع لم يتخذ أبعادا دموية في أسوا الأحوال التي مر بها هذا الصراع، وثانيا ان الإرهاب لا دين له لذلك فانه سيرتد كنتيجة حتمية ومنطقية الى تخوم الدول والمناطق التي انطلق منها او التي وقفت وراءه بكل ما أوتيت من قوة وإمكانات تعبوية ولوجستية وستراتيجية وإعلامية وفتوائية وبشرية، وثالثا ان الإرهاب بحسب طبيعته الزئبقية المتوحشة والشرهة للإجرام لن يتوقف عند حد جغرافي معين ولن تقف الحدود الإقليمية لحواضنه او مناطقه التي سيطر عليها عائقا ضد نشاطاته وتحركاته وميوله الشاذة وسرعان ما تتهاوى الحدود والأطر الجغرافية امام شراسته وعدوانيته وشراهيته المفتوحة لقضم المناطق التي يروم التمدد فوقها ليجعلها فيما بعد ارضا محروقة او تكون منطلقات وملاذات ستراتيجية له، فالعالم كله بقاراته السبع هو مجال حيوي مفتوح للنشاطات الإرهابية.
اما الأسباب الداخلية التي ساهمت باستشراء الإرهاب فتكمن في ان الإرهاب وجد بعض الحواضن والملاذات والذيول الإقليمية التي أدت بشكل او بآخر الى تغلغل اذرع الإرهاب الأخطبوطية في مضارب العراق وقضم مساحات شاسعة من أراضيه وفق سيناريوهات سياسطائفية تدميرية معدة سلفا في كواليس المطابخ الإقليمية.