أقام مركز المستقبل للدراسات والبحوث وبالتعاون مع مجلس النواب العراقي في كربلاء حلقته النقاشية الشهرية والموسومة (إدارة الدولة العراقية بعد 2003) وبحضور عدد من أعضاء مجلس النواب العراقي وأعضاء وشخصيات من الحكومة المحلية وعدد من الباحثين والمفكرين في مقر مكتب مجلس النواب في محافظة كربلاء وذلك في تمام الساعة الثالثة والنصف من يوم السبت المصادف 7/3/2015.
وفي إدارة الحلقة النقاشية الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث الذي ابتدأ قائلا: نظرا لما يشهده العالم من التحولات ومتغيرات سياسية متسارعة ولكون العراق هو الجزء الفعال من العالم وان أي متغير في العراق بمثابة عنصرا فعال في تفاعلات باقي دول العالم، وخاصة إن البلد مقبل على موضوع في غاية الأهمية وهو احتمالية الفدرالية واللامركزية الإدارية كان من الضروري إن يلتفت المركز إلى موضوع إدارة الدولة العراقية والإشكاليات التي ترافق هذه التحولات.
وتناولت الحلقة محورين مهمين هما:
أولا: ادارة السلطة في العراق.. رؤية إستراتيجية
وتحدث فيه الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية عن منطلقات جديدة في التفكير السياسي لصناعة القرار وقال: ربما من الصعب إقناع صانع القرار العراقي بضرورة تغيير منطلقاته التي بنى عليها طريقة إدارة البلد، لكن اليوم الحاجة للحفاظ على وحدة وسيادة هذا البلد يتطلب أن يعيد قادته النظر بهذه المنطلقات التي ثبت أنها دفعت بوصلة القيادة باتجاهات خاطئة على نحو مريع أدى إلى انحراف العملية السياسية عن مسارها السليم من جهة، وأصابها بالتخبط والشلل وعدم الوضوح من جهة أخرى.
وأكد العرداوي على ضرورة تفعيل دور الشيعة في العراق مع الأخذ بنظر الاعتبار عدة منطلقات منها التحرر من عقدة المظلومية السياسية، وبين أن النخب الشيعية المشاركة في الحكم لا تمثل طائفتها لوحدها في ممارسة عملها السياسي بل تمثل الشعب العراقي بكل مكوناته، وهذا الأمر يتطلب إبعاد خطابها السياسي عن معاناة وتشنجات الماضي والانفتاح الفاعل على الآخر.
وأضاف، ان العيش في الأجواء الفكرية للمظلومية السياسية يجعل الساسة الشيعة يتصرفون كرجال معارضة وقادة طوائف أكثر منهم رجال دولة.
والمنطلق الثاني كان العلاقة مع إيران علاقة شراكة لا علاقة تبعية: ودعا الى - تأكيد استقلالية القرار الشيعي ومن ثم العراقي عن السياسة الإيرانية وتمثيله لمصالح شعبه وبلده وجعلها فوق كل اعتبار آخر.
والمنطلق الثالث هو الاعتماد على أغلبية ديمقراطية قائدة للشيعة لا أغلبية طائفية قاهرة، كما اقترح الدكتور تفعيل دور السنة العرب في العراق حتى لا يكونوا حطبا للنزاع السياسي والطائفي في العراق وحذر خالد السنة العرب من الارتماء في أحضان الدول العربية والتي تسخرهم من اجل مصالحها الخاصة، وفي ذات السياق أكد على تفعيل دور الكرد في العراق ونصحهم بترك الاندفاع السياسي وراء حلم كردستان الكبرى وترك التفكير بالانفصال السياسي عن العراق والتحرر من عقدة المظلومية السياسية.
وأخيرا تحدث عن آليات الوصول الأهداف الإستراتيجية وكان أهمها اعتماد البعد الأخلاقي وتحقيق العدالة الاجتماعية واعتماد مبدأ الكفاءة في الإدارة والإيمان بمرجعية النص الدستوري وترسيخ مبدا التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب ومعالجة الفساد الإداري والمالي.
مستقبل إدارة السلطة في العراق بين الفدرالية واللامركزية
من جهته قال الدكتور قحطان الحسيني في ورقته الموسومة "مستقبل إدارة السلطة في العراق مابين الفدرالية واللامركزية". إن دستور العراق الدائم الصادر سنة 2005 م قد نصّ في مادته الأولى على إن (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي(برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) إلا ان الواقع العملي يؤشر وجود تباين واضح مابين التوصيف الدستوري والقانوني لنظام الحكم وشكل الدولة في العراق ولهذا فأن التأمل في نظام الحكم السياسي في العراق بعد 2003 يعطي مؤشراً واضحاً على عدم تطبيق النظام البرلماني ولا النظام الفيدرالي بشكل كامل، ويرى قحطان أن احتمال تشكيل أقاليم وقيام دولة فدرالية ضعيف في الوقت الحاضر لهذا اقترح بديلا عنه أكثر واقعية وهو نظام اللامركزية الإدارية الذي نجد الأساس القانوني له في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008، الذي نص في احد مواده على أن (الحكومات المحلية مسؤولة عن كل ما تتطلبه إدارة الوحدة الإدارية وفق مبدأ اللامركزية الإدارية). واقترح آلية لنقل صلاحيات الوزارات إلى المحافظات لتقليص الروتين وتقريب المسافات وإعطاء حرية واستقلالية للحكومات المحلية وحدد ميزات هذا النظام وعيوبه وبين أن هذا النظام يجسد مبادئ الديمقراطية في الإدارة من خلال اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المؤسسات والمرافق العامة المحلية، ويتيح للحكومة المركزية التفرغ للقيام بمسؤولياتها الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة للبلد وحفظ مصالحه الاقتصادية والسياسية والأمنية، ومن عيوبه احتمال نشوء صراع بين الحكومات المحلية والحكومة المركزية لان الحكومات المحلية غالبا ما تقدم المصالح المحلية على المصالح الوطنية.
المداخلات
الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام قال ان الدولة العراقية انتهت منذ عام 1958 وان لم نقل انتهت فقد أصيبت بأمراض، فالدول ولا تبنى على أسس مادية فقط بل أسس معنوية أيضا، ومن اهم الأسس المادية والمعنوية هي الأحزاب التي تجسد جوهر الديمقراطية في حال انه ليس لدينا حزب ذو قاعدة ديمقراطية في غياب قانون للأحزاب. مشيرا الى ان التوافقية قد يكون لها مردود سلبي لان الصراع يكون على المصالح الصغيرة، واليوم المواطن العراقي لا يتحمل المسؤولية وإنما يحملها للمسؤول لانه لايشارك بالسلطة داعيا الى تفويض السلطة من خلال تكريس اللامركزية، فالمواطن إذا شارك في السلطة يتحمل جزء من هذه المسؤولية، وأضاف معاش ان آفة الدولة المريضة هو الروتين والبيروقراطية التي تؤدي الى الفساد وتهدد السلم الأهلي.
الدكتور حسين المنكوشي قائم مقام قضاء مركز كربلاء وجه مداخلته إلى دكتور قحطان بخصوص نقل الصلاحيات إلى المحافظات قائلا: بعد مبادرة رئيس الوزراء السابق باشرت الحكومات المحلية بعقد ورش عمل ورسم المخطط الهيكلي لنقل صلاحيات 8 وزارت وتعززت هذه الورش بأخرى في مجلس الوزراء بحضور المحافظين ووصلت الورش الى مستوى ناضج من التخطيط وكان يفترض أن تعرض على مجلس الوزراء. والذي لمسناه ان ليس هناك جدية فعلية من قبل الوزارات مما أدى الى صدور قرار التريث بقرار نقل الصلاحيات. وكان هذا تحايل على قرار الحكمة الدستورية التي حددت آخر موعد في 15/8 لنقل الصلاحيات. وبين المنكوشي ان الكتل السياسية كانت تضغط على وزرائها للتريث وعرقلة المشروع، ونحن في كربلاء اعددنا العدة ومستعدين لتحمل هذه المسؤولية.
وأشار الناشط السياسي والنائب السابق جواد العطار الى ان ورقة دكتور خالد كانت إصلاحية فيما تحدثت ورقة دكتور قحطان عن مشكلة الدولة وفلسفة الدولة، ويرتبط هذا بمفهوم المظلومية، والتي توسعت على مستوى الطائفة الشيعية بل حتى المكونات الأخرى ونحن لم نستطع ان نستوعب هذا المكون بشكل حقيقي في السلطة او المعارضة والسنة المعتدلين غير موجودين كمعارضين والموجودين الآن هم لا يمثلون السنة. وتخوف العطار من ان تتحول المحاصصة الى عرف دستوري صعب تغييره وأوضح ان من المسائل المهمة التي تغير المسار هو سن قانون الأحزاب على أن لا يكون طائفيا أو مذهبيا وانه مربط الفرس إذا أحسنا إدارته وتشريعه.
من ممثلية الأمم المتحدة في كربلاء الاستاذ علي كمونة قال إن توجهات الأمم المتحدة على مراكز البحوث والدراسات لاستثمارها لتعطينا فكرة عن كيفية تطوير النظم الإدارية حسب فائدتها للمجتمع. والسؤال هل لدينا فعلا مراكز يمكن الاستفادة منها؟.
الست بشرى حسن عاشور، عضو مجلس محافظة كربلاء، قالت ان العراق كيان دولة وليس دولة مدنية ومازالت المجموعات الأولية هي المسيطرة ولم نصل للدولة المدنية والوصول إليها يحتاج الى وقت طويل. وأضافت " كنت أفضل أن تقدم ورقتا العمل حلولا وبشكل رقمي، وبينت بشرى ان قضية نقل الصلاحيات كان إطلاقها أمرا سياسيا وإيقافها أمرا سياسيا آخر وليست العملية قانونية ولا تؤيد الدكتور حسين المنكوشي ان كربلاء مستعدة لنقل الصلاحيات ولازلنا في المجلس نختلف على تعيين شرطي فكيف نتفق على إدارة لامركزية؟.
الحقوقي احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، قال إنها سابقة جيدة من مكتب مجلس النواب ان يتفاعل مع مراكز البحوث والدراسات لنستسقي الآراء من الباحثين حول إدارة الدولة العراقية ونحن نعلم ان دول العالم توجهها مراكز الدراسات والبحوث. وأوضح ان الإدارة هي القدرة على إدارة المشروع ولم تنجح مجالس المحافظات في الإدارة وهي من طيف واحد ومكون واحد لأنها تفتقر إلى القدرة والمهارة في إدارة الدولة وعليه يجب ان نخلق كوادر إدارية تدير مفاصل السياسة بمشاركة مراكز البحوث والدراسات وأهل الخبرة والرأي والمشورة للتقدم خطوة نحو الاتجاه الصحيح.
الاستاذ تيسير الأسدي رئيس تحرير وكالة نون الإخبارية ضم صوته إلى صوت بشرى حسن عاشور قائلا: نحن بحاجة إلى حلول وليس إبراز سلبيات. وأضاف ان ماجرى في حزيران الماضي (سقوط الموصل) يدل على ان العراق لم يكن طيلة 11 سنة في عملية بناء مؤسساتي وإنما هناك استثمار كتل سياسية وتوزيع ميزانيات العراق وثرواته فيما بينهم أما عن فكرة الإقليم، تساءل الأسدي هل الإقليم مشروع وطني أم خارجي؟ وإذا كان مشروع وطني فلماذا تستميت أمريكا للدفاع عنه؟