جنرال داعشي في بغداد |
لم تكن زيارة قائد أركان الجيوش الامريكية الجنرال مارتن ديمبسي خارج المتوقع. الرجل الذي بشر بوصول قوات تنظيم داعش الى محيط مطار بغداد قبل أشهر، وتبين فيما بعد ان هذه "البشارة" كانت محض مشاركة في حملة الاكاذيب الامريكية التي تهدف لأسطرة قوة التنظيم وزرع أكبر مساحة من الخوف في قلوب دول المنطقة تمهيدا لاحتوائها عبر إقامة قواعد عسكرية تتحكم بملفاتها السياسية قبل العسكرية. والزيارة التي تأتي مسبوقة بتصريحات وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري والسعودية سعود الفيصل حول مخاوفهما من "إضطهاد" الطائفة السنية في العراق بعد الانتصار على تنظيم داعش، تأتي لتحقيق هدفين متوازيين، الاول هو مشاركة كعكة النصر العراقي الذي تحقق بمعزل عن أي جهد أمريكي وخارج السقوف الزمنية التي حددها العسكريون والاستراتيجيون الامريكان، والثاني هو تعزيز مخاوف الوزيرين بين القيادات السنية العراقية بهدف الحد من جموح القوات العراقية، جيشا وحشدا شعبيا وعشائر، وتوقيف زحفها لطرد تنظيم داعش من مجمل الأراضي العراقية، الأمر الذي يؤكد الشكوك حول الدعم الامريكي والسعودي للتنظيم في العراق وسورية. اللحظة الامريكية في العراق وفي عموم المنطقة رخوة جدا. بالمقابل، تبدو اللحظة الايرانية أكثر توازنا، وأكثر حضورا أيضا. أما اللحظة العراقية فهي مرتهنة للمعركة القائمة الهادفة الى تحرير الاراضي العراقية من قبضة التنظيم الأكثر وحشية والأكثر ظلامية في التاريخ، ومن الطبيعي ان تلتقي اللحظتان العراقية والايرانية، وان كانت أهدافهما متباينة في إستثمار النصرعلى تنظيم "داعش". وفي الغد الخالي من سيوف "داعش" ومعاولها، سوف لن يكون من العسير إنتاج موقف عراقي مستقل، بعيدا عن مصالح وأهداف كل من الولايات المتحدة وايران، أوعن خط التماس "النووي" بينهما، بعد دفع فاتورة المشاركة الايرانية في الحرب سياسيا واقتصاديا. الجنرال ديمبسي، الذي بدا في مؤتمره الصحفي الذي عقده في المنامة بعد زيارته الخاطفة لبغداد، وكأنه جنرال داعشي أكثر منه جنرالا أمريكيا، دفع هو وإدارته الامريكية بالعراق الى عين العاصفة، وتعمدوا تقديم الدعم اللوجستي لكلا طرفي الحرب، القوات العراقية ومقاتلي تنظيم داعش، فيما اكتفوا بالجلوس على مقاعد المتفرجين بانتظار لحظة خوار الطرفين، لكن رياح ساحات المعارك لم تأتي بما كانت تشتهي واشنطن، فبعثت بالجنرال ديمبسي لتلحق بقطار النصر قبل ان يصل محطته الاخيرة في الموصل. ليس هذا الطرح وقوعا في فخ نظرية المؤامرة كما سيتصور البعض، إذ لم يعد مجديا الجدل العقيم حول الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بنظرية المؤامرة، لكن المجدي في اللحظة الراهنة هو مواجهتها معرفيا وإعادة تأسيس هوية وطنية مضمخة بدماء شبابنا من مختلف القوميات والاديان والمذاهب، مسورة بنشوة النصر الذي لا أحد يمتلك القدرة أو الجرأة على تجريده من صبغته العراقية، ولذا بات من الضروري جدا إغلاق الابواب أمام ديمبسي ومن خلفه المحافظون الجدد في واشنطن الذين يتباكون على إنهيار قوات تنظيم داعش الذي صنعّوه وفق مقاسات نظرية الحزام الاخضر الرامية الى تأسيس دول دينية تبرر وجود الدولة اليهودية بمواجهة الاصولية الاسلامية وهو الهدف الاكبر في تحركات الامبراطورية الخرفة التي تركت الفراغ واسعا لايران ومن بعدها روسيا والصين والهند.. أيضا.
|