60 عاماً من التعاون الوثيق وتبادل المعلومات .. خفايا وأسرار التعاون العسكري والأمني والاقتصادي بين تركيا وإسرائيل |
العراق تايمز: كتب د. سمير محمود قديح بدأ نفوذ اليهود في تركيا في أوائل القرن العشرين، وقد لعبت الصهيونية مع القوى الأوروبية الكبرى دورًا مؤثرًا في تقوية الاشتراكية التركية وانهيار الامبراطورية العثمانية. وقد أصبح لليهود نفوذ كبير في أركان الحكومة التركية. وعلى الرغم من معارضة تركيا لتقسيم فلسطين عام 1947 إلا أنها كانت أول دولة إسلامية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل في 28 مارس 1949، كما عقدت مع إسرائيل اتفاقية تجارية سنة 1950 واتفاقية شحن وتفريغ بين الدولتين سنة 1951. وبعد عضوية تركيا في حلف الناتو أصبح حضورها رسميًا في المعسكر الغربي تحت زعامة أمريكا, وأصبحت سياستها الشرق أوسطية تقترب للأيديولوجية الأمريكية. وعلى هذا الأساس قررت توسيع وتعميق علاقاتها مع إسرائيل موضع النظر. وقد سافرت تانسو تشيللر رئيسة وزراء تركيا السابقة إلى إسرائيل للمرة الأولى سنة 1994 وهيأ ذلك المجال لعقد اتفاقيات سياسية أمنية، وأقرت هذه الاتفاقيات عقب زيارة قام بها وفد أمني وسياسي واقتصادي رفيع المستوى؛ وذلك للارتقاء بمستوى العلاقات والاتصالات في العاصمتين, وقد طرح في بداية محادثات الطرفين عقد اتفاقيات عسكرية وأمنية لأول مرة من جانب 'إسحاق رابين' في عامي 94 ، 1995 وتبع ذلك توقيع اتفاقيتين سريتين في شهري فبراير وأغسطس 1996 من جانب الطرفين. وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اغتيل 'إسحاق رابين': إن أهم هدف من عقد اتفاقيات سرية مع تركيا هو حفظ توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.
يتلخّص مشروع «أنابيب السلام» في إقامة محطة بمنطقة شلالات مناوجات التركية لتزويد إسرائيل بكمية 50 مليون طن سنوياً من المياه لمدة 20 عاماً. ويستند المشروع إلى ضخّ المياه في أنابيب برية عبر الأراضي السورية، ثم دخولها إلى شمال لبنان أو شمال شرق الأردن، وبعدها إلى الأراضي الفلسطينية، أو نقلها بحراً إلى الساحل الإسرائيلي في حال عدم توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان. وتشير مصادر إلى انتهاء بناء المحطة التركية، مع بقاء تنفيذ المشروع معلقاً. مشروع تبلغ تكلفته نحو مليار دولار، ووُقِّعَ في عهد أجاويد، علماً بأن أوزال بدأ يتحدث عنه منذ 1991 بقوله المشهور «مثلما يبيع العرب البترول، يجب على تركيا أن تبيع بترولها، أي المياه». وقد تمّ التوقيع على الاتفاق في آب 2002، أي قبل شهرين فقط من وصول «العدالة والتنمية» إلى الحكم في 3 تشرين الثاني من ذلك العام. أما العنوان الثاني، فهو اتفاق التعاون الاستراتيجي في شباط 1996 مع ملحق له في آب من العام نفسه (في عهد تانسو تشيلر). كان موجهاً ضد أعداء تركيا الأمس، الذين باتوا أصدقاء فوق العادة اليوم، وبالتالي فالأسباب الموجبة لهذه العلاقة الأمنية الاستراتيجية أصبحت شبه باطلة. وينصّ الاتفاق على وضع آلية مشتركة لمواجهة الأخطار المشتركة (الآتية من سوريا والعراق وإيران) من خلال منتدى أمني للحوار الاستراتيجي بين الدولتين ومن خلال أنشطة استخبارية مشتركة ونصب أجهزة تنصّت في جبال تركيا. كذلك نص على مناورات مشتركة يسمح فيها باستعمال أجواء الدولتين عسكرياً، وعلى تدريبات مشتركة للجيشين، وعلى حق المقاتلات الإسرائيلية باستعمال القاعدتين الجويتين التركيتين قونيا وإنجرليك.وظهرت الحماسة التركية لهذا الاتفاق من خلال سرعة تطبيق بنوده. وجرت أول مناورة جوية ثنائية في منتصف عام 1996 فوق وسط الأناضول.ولا ضرورة للتوقف طويلاً أمام الحاجة المزمنة للدولة العبرية لـ«المجال الحيوي» (نسبة إلى ضيق مساحتها وكثافتها السكانية وإحاطتها بدول الطوق)، وقد وجدت هذا المجال في تركيا الشاسعة، وتركيا الموقع الاستراتيجي الممتاز (عسكرياً وسياسياً). يضاف ذلك إلى صفقات التسلّح الضخمة التي زوّدت بها إسرائيل، الجيش التركي، ما جعل تركيا السوق العسكرية الكبرى للصناعة العسكرية الإسرائيلية. واللافت أن أي تأخير في العلاقات العسكرية بين الدولتين كان يحصل على خلفية عقبات مالية تركية. أما اليوم فاختلفت الأمور، إذ أصبح التعاون العسكري في خدمة السياسة، ونتيجة السياسة، لا نتيجة لنقص التمويل ولا لعجز الموازنة.أما بالنسبة إلى اتفاق التجارة الحرة الذي وقّعه سليمان ديميريل في أول زيارة لرئيس تركي إلى إسرائيل عام 1995، فأوجب: ـ إزالة الحواجز الجمركية بين الدولتين. أن يصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى ملياري دولار خلال عام 2000. أن تمنح إسرائيل تركيا جزءاً من حصتها في الأسواق الأميركية في قطاع صناعة النسيج، على أن تعمد الشركات الإسرائيلية إلى تصنيع الأنسجة في تركيا من أجل تصديرها إلى الولايات المتحدة.
من هنا، فإنّ جزءاً كبيراً من موجبات اتفاقات عام 1996 قد أصبحت أقل أهمية بالنسبة إلى المصلحة الوطنية التركية. لكن رغم ذلك، فإنها تبقى بحاجة إلى أن تكون دولة عسكرية عظمى، ببساطة لأن الترسانة العسكرية (التقليدية منها والنووية) هي من أهم معايير «الدول العظمى». ولأن السلاح ضروري، لجأت أنقرة منذ سنوات إلى خطوتين قد تبطلان قريباً مفعول الحاجة العسكرية لإسرائيل: نوّعت مصادر مشترياتها الدفاعية، ثمّ عملت على تعزيز صناعاتها العسكرية المحلية، حتى تمكنت قبل أشهر من تنظيم معرض عسكري عُدَّ من بين الأكبر في العالم. كلام لا يعني أن المناورات العسكرية بين هاتين الدولتين ستصبح في خبر كان، فالحلف الأطلسي، الذي تُعدّ تركيا أحد أعمدته، مصرٌّ على إشراك تل أبيب في نشاطاته العسكرية.وبالنسبة إلى الهمّ الكردي، الذي عدّ طويلاً من بين أهم مبرّرات اتفاق التعاون الأمني الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا ومن أهم أسباب الصفقات العسكرية بينهما، فإن معالجته آخذة مع الوقت في التحول إلى القنوات السياسية بعيداً عن لغة المدافع. من هنا يمكن فهم تلميح وزارة الدفاع التركية، في أيار الماضي، إلى احتمال إلغاء صفقة شراء طائرات «هيرون» الإسرائيلية من دون طيار، التي كان الهدف منها النيل من الأكراد أساساً. وإذا كانت غاية الغرام التركي ـ الإسرائيلي السابق، مصلحة اقتصادية، فإنّ لغة المال بالنسبة إلى الأتراك مجدية أكثر مع العرب والجوار مما هي عليه مع الدولة العبرية. حقيقة تؤكدها الأرقام، بما أن التبادل التجاري بين الدولتين يناهز الـ 3 مليارات دولار (جزء كبير من هذا الرقم نتيجة صفقات الأسلحة)، لطالما ارتبط التواصل التركي ـ الإسرائيلي الدافئ، بهمّ أنقرة بنيل إعجاب الغرب، علّ ذلك يفيدها من ناحية تقديم شهادة حسن سلوك بالنسبة إلى أوروبا واتحادها. حكّام «العدالة والتنمية» لا يزالون يرغبون وبشدة في العضوية الأوروبية، لكن ليس عن طريق «الزحف» الذي لم يجدِ بعد رغم كل شيء. بناءً عليه، فهموا أن أوروبا تريد منهم طبعاً أن يكونوا على علاقة جيدة مع حليفتها إسرائيل، لكن ليس من الضروري أن يكون ذلك أبداً على حساب علاقات أنقرة مع بقية العالم. |