نسمع باستمرار شكاوى الوطنيين والقوميين وحتى الأجانب من سرقة آثار العراق، ويسعون لاستعادتها وإعادتها إلى أماكنها الأصلية. لست واحدا منهم ولا أؤيدهم في مسعاهم هذا. وأعترف بأنني كلما سمعت عن سرقة أثر من آثار العراق أفرح، وأحزن عندما أسمع عن استعادته. ما قام به «داعش» أخيرا بتدمير هذين الموقعين المهمين؛ «نمرود» و«الحضر»، يدعم ما أقول، ولا أشك في أن المثقفين والمهتمين بالتراث سيقولون: «واحسرتاه! يا ليت المنقبين الإنجليز الذين اكتشفوا (نمرود) أخذوا ما فيه من آثار ونقلوها إلى بلادهم فورا. لم يفعلوا، واحترموا حقوقنا، فخسرناها الآن وخسرتها البشرية جمعاء». علينا أن نعترف بهذه الحقيقة، وهي أننا لا نعبأ بآثارنا ولا نكلف أنفسنا زيارة متاحفنا. أنا شخصيا لم أزر المتحف العراقي إلا أخيرا ضمن وفد رسمي. قل يا للعجب! كانت هذه الآثار موجودة منذ مئات السنين ولم نعبأ بها حتى جاء الإنجليز والألمان وكل هؤلاء الخواجات وأخرجوها ولفتوا أنظارنا إليها. التقيت مؤخرا مع سيدة عراقية مثقفة.. هزت رأسها وقالت: وشنو يعني؟ هذه أصنام وثنية مال كفار! ويظهر أن كثيرا من العراقيين، وعلى رأسهم قادة «داعش»، يؤيدونها في مقولتها. لقد زرت هذه المواقع في أيام صدام حسين.. لم أجد أي حرس مسلحين يقفون في حراستها. والعجيب أن هذا الوضع استمر، ولم تعبأ الحكومة العراقية بتعبئة قوة مسلحة كافية تسهر على حماية هذه الأماكن قبل أن تمتد أيادي، أو مخالب، «داعش» إليها. يسهرون على حماية حقول النفط، ولكن النفط ثروة ستنتهي يوما ما، في حين أن الآثار ثروة سياحية وثقافية مستديمة. كثير من الآثار العراقية موجودة الآن في المتاحف الغربية، معروضة بأحسن صورة وأدق إضاءة ودرجة حرارة مناسبة مع شروح ضافية مفيدة معلقة بجانبها، وكله مجانا في المتحف البريطاني. يراها كل يوم مئات السياح والطلبة وعشاق الفن والتاريخ من شتى جهات العالم، والقوم حريصون على حمايتها، فعندما شبت الحرب العالمية الثانية سارعوا إلى نقلها وخزنها في الكهوف النائية والأماكن الحصينة لئلا يصيبها شيء من القصف الجوي خلال الحرب. لقد نددت اليونيسكو بما فعله «داعش» واعتبرته جريمة حرب ضد الإنسانية. لا أدري إن كانت لليونيسكو إمكانية كافية لتنظيم قوة دولية تتولى حراسة مثل هذه الأماكن في المناطق المعرضة للتخريب والتدمير.. وإلا فما الفائدة من التهديد إزاء وحوش متخلفة مثل «داعش» و«بوكو حرام»؟ ولكنني كتبت إلى صحيفة الـ«غارديان» البريطانية أدعو لتشكيل لواء أجنبي من المتطوعين على غرار الكتيبة الأجنبية التي ساهمت في الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينات. هذه الآن مشكلة عالمية تواجهها كثير من الدول والمجتمعات المتخلفة. قد يأتي يوم يظهر فيه بين الإخوان المسلمين من يدعو لتدمير كل التماثيل الفرعونية لأنها أصنام خلاعية! والآن دعوني أقل أهلا بالحرامية الذين يسرقون آثارنا.
|