سيّاف مبتدىء

كان خائر القوى حين استسلم للسياف، اضناه الجوع والظمأ والوقوف لساعات وهو مغلل اليدين، فكانت احلامه تتعلق بالخلاص من هذه الحياة، يخاطب الموت : متى ستأتي وماتريد ان اطعمك، عجل بالقدوم، لم يعد هناك شيء يستحق العناء، لكنهم يبطئون، ويل لهم، وهل هناك شيء سوى الموت، في اول يوم رأيتهم ايقنت بنهايتي، كل الميتات متساوية، ساقنع نفسي ان الموت بالسيف اهون قليلا، لكن الاطلاقات اكثر رحمة، الحبال لايستخدمها هؤلاء، انا اخشى من ميتة يتفنن بها القاتل، والا فالموت متساوٍ.

كان خائر القوى وربما يهلوس، لم يعد يفهم مايريد هؤلاء، انه كتب منشورا على صفحته في التواصل الاجتماعي اشار به الى حجم الجريمة التي انتهت بتحطيم آثار الآشوريين، وقرن بين الحضارة والبداوة، وهاجم سياسة قطع الرؤوس والغزو الهمجي، لم يتوقع ان يصل الامر الى محكمة شرعية، ها هو يحاكم بسرعة كبيرة، وهو يترنح امام الجميع، امام القاضي الشاب الذي حلق رأسه وحواجبه وشواربه، واطلق لحيته بشكل غير نظامي، كان القاضي قد وضع مزيدا من الكحل في عينيه، على انها سنة نبوية، فتى شاب ظهر بشكل مريع، ليلقي الرعب في قلبه وقلب من معه، قضى بقطع رأسه، ولم يعلم مايحوي هذا الرأس من ذكريات.

كان خائر القوى حين اشار اليه السياف ان اقدم، انها النهاية، لحظات وينتهي كل شيء، لكنه لم يكن واثقا ان كل شيء سينتهي، ستبقى هناك بقايا دماء ولحوم متناثرة، واوردة ترفض الانصياع، ليست هنالك نهاية سريعة، دائما هناك جدل، سيستمر، وهنالك بقايا من ذكريات، كان السياف الرئيس مجازا في ذلك اليوم، يتمتع مع عائلته، زوجته وابنائه، كما قال له احدهم، انه سوء الحظ ياسيدي، سيقع هذا الرأس بيد سياف مبتدىء، تلاشت احلامه بالخلاص السريع، واخذ يقلب رأسه في جميع الاتجاهات وكانه يوصيه او يودعه، اوصيك بالا تتدحرج كثيرا على الارض، والا تبقى ملتصقا بجسدي فتزيد آلامي، كن رفيقا بي، فقد عشنا كثيرا معا.

امام لحظات الخوف والهلع كان خائر القوى فتلاشت لديه هذه المشاعر، كان خائر القوى امام كل الذكريات، لم تعد هنالك صور تمر امامي، ولم يعد الحزن يسيطر على مشاعري كما في اولى الساعات، انتظار ممل، حتى ذلك السيف لم يعد يخيفني، كان كل شيء متعلقا بالخلاص، لم ارتجف، ولم اتلعثم، ولم يعتريني مايعتري اشباهي من الرجال، كنت خائر القوى لا اشعر بشيء ولم ابصر سوى

اللحى المتدلية، ولم اسمع سوى التكبير والاستغفار، لمن يقدمون ابتهالاتهم، هل هناك رب آخر لانعرفه، ربما يكون لهم رب آخر، امرهم ان يقطعوا رأسي، واوحى للقاضي الشاب ان نهايتي هي الموت.

حتى ماقبل الموت لم يعد يعنيني، لم يتحرك من مكانه حين اشار اليه السياف بالقدوم، حاول لكنه لم يستطع لم تعينه رجلاه على الصمود فجثا على ركبتيه، شعر بوخزة قوية مابين كتفيه، لقد دفعه احدهم بقوة الى الامام، فتدحرج على الارض، واعتدل ثانية ليجثو على ركبتيه، وليحني رأسه لتمتد رقبته الى الامام، كان يشعر انه سيولد من جديد، مستحيل ان تنتهي الحياة بخرافة هؤلاء وقطع الرؤوس، يجب ان تكون هناك حياة اخرى، والا فكل شيء قد كان عبثا لاغير، ولا اعتقد ان الرب يعبث، انا متأكد انها ليست النهاية، ربما هي البداية، ولذا انا مستعد كي ابدأ من جديد، تلقى الضربة وهو على قيد الحياة، ما الذي جرى انا اتنفس ورأسي لم يزل ملتصقا بجسدي، اللعنة عليك ايها السياف ، ماذا تفعل، ربما نبت الضربة، وهاهو يتهيأ للضربة الثانية، احنى رأسه ومد رقبته ليسهل الامر على السياف.