اين المفر
أشعر - ولعلك معي - ان هذا العالم الرحب يفقد عذريته يوما بعد يوم ويضيّق علينا الخناق كل ما اطلنا المكوث . لا شيء فيه يبعث على المتعة بالحياة . انها حياة دنيوية واحدة ومعها ينهض الف منغص ومنغصة يوميا . في البيت عليك ان تلبس مسوح الطهرانية لكي تكون قدوة امام ابناء ساهمت انت بجزء من مؤامرة مجيئهم الى هذا الغابة . وهم بعيونهم البريئة ينظرون اليك باعتبارك مجمع الفضائل شجاعة وباسا وصبرا ونقاء وانت في الحقيقة لا هذه ولا تلك ، بل قل مجموعة من التناقضات حشرت في سلة واحدة حشرا ويراد منها ان تصلح الاخرين وتضعهم على طريق الصواب . وانّى لك ذلك . استريح الى كتاب ورقي الوذ به من عجري وبجري فاذا بعنوانه "دع القلق وابدأ الحياة" ... ادس راسي في ديوان السياب فاذا به يصرخ من الالم : رباه ان الموت اهون من ترقبه المرير ... تلجأ الى كرة القدم لتزيح امام شاشاتها شيئا من العناء فتجد كل وساخات العالم الراسمالي الجشع تكدست فيها . الفِرق الأخطبوطية التي تتعامل بالمليارات التهمت وتلتهم كل يوم الفرق المستضعفة وتنخرها من الداخل وتفرغها من مواهبها فتفوز بالكؤوس و جنون ملايين البشر و العرب والعجم ، ويتحول مدربوها الى كائنات مخلوقة من الماس !!! البايرن الالماني ، ريال المدريدي ، برشلونه الكتالوني ، پي اس جي الفرنسي و مانشستر البريطاني وسواها ، تحولت بفعل قوة المال الى آفات تلتهم كل ما حولها حتى انك لتكاد تعرف نتائج المباريات قبل وقوعها الا ماندر ...تلوذ بنشرات الاخبار فتشعر بان فؤوس هولاكو و نبال چنكيز خان تخترق عليك شاشة التلفاز . تذهب الى الطبيب يظهرْ لك صحيفة دمك المزنجر العاج بالدسم والسكر و الضغط ولا يراعي فيك الا ولا ذمة . تلوذ بالعمل عله ينقذك من الطامّتين فاذا به كتل من الشقاق و أكوام من النفاق تكدست على بعض وهي تتحين الفرص لعضعضة بعضها البعض مثل العقارب العمياء . الجميع ينهش بالجميع ، و جاءت فورة التنكه - لوجيا الحديثة لتسهل عمليات النهش والبطش والهمش . ومع كل ذلك الجميع يُقبّل الجميع ويحضن الاخر بأحر من صيف البصرة . لكن ما ان يختلي اثنان حتى يبدأ العزف على الزميل الغائب . دائما الغائب ينزل عليه الغضب ، فاذا جاء الغد صار هو الافعى متحينا فرصة التهام لحم اخيه حيا . تاتي الى الفيسبوك فتجد طوابير التعليقات التي تبدأ بلفظة "منور" سيئة الصيت وتنتهي بسب الاول والاخر بدءا من الوالدين وليس انتهاء بالدين والمذهب والعرق والوطن . حتى نفسك عندما تختلي معها تشعر وكانك تعاقبها على اشياء لا تتحمل انت مسؤوليتها فتجلدها من دون ذنب ، حينها لا تطول خلوتك مع نفسك الا دقائق محدودات معدودات بعدها تُضطر اما لمتابعة مباراة كرة قدم محسومة النتائج او التبرع بالذهاب للعمل لتنخرط من جديد في منظومة غيبة طازجة أو وجبة نميمة دسمة . اصبحنا او على الاقل نحن ننحدر جماعيا بسرعة جنونية نحو الهاوية . انت تخطط على مدى شهر لرحلة خارج قضبان البيت و اسلاك العمل الشائكة و مناكفات الفيسبوك و استفزازات مَن طلحَ من عباد الله فاذا بها متعة عابرة سرعان ما تتسرب من بين يديك وذاكرتك ثم تعود بعدها وانت اكثر شعورا بالاحباط والياس والانتكاس . فوق كل هذه الاكوام المتراكمة من البؤس ، نحن جميعا مطالبون بان نظهر امام الاخر بابتسامة وعطر واناقة ومثاليات وقاط ورباط حتى اصبح الجميع يكذب على الجميع لكن باتفاق ضمني بليد مثل اتفاقية الجزائر . والحال ، لا الابتسامة المفتعلة بمقدورها اقناع الاخر بانك تعيش بسلم . ولا العطر بامكانه اخفاء ما نحمله من نتانات . ولا الاناقة ينطلي تصنعها على احد . و لا المثاليات تستطيع ان تزوق الحقيقة الى امد بعيد . ما يهون من الخطب اننا جميعا متفقون بلا تواقيع على هذه المخادعة وممارسة هذا النمط الكاذب من العيش . و حتى يدهمنا اليوم الذي تهتك فيه السرائر ونظهر فيه جميعا على حقائقنا المريرة ، لا نملك الا ان نقول مفيش حد احسن من حد وكلنه في البؤس سوا