" المناطق المتنازع عليها " في العراق! |
بداية ما هي " المناطق المتنازع عليها " وما هو تعريفها، باختصار هي المدن والبلدات والقرى الإستراتيجية ذات الأغلبية الكردية المطلقة التي تشكل حدود إقليم كوردستان الغربية والجنوبية والشرقية، والتي تقع بمحاذاة مدن وبلدات عربية، وتم استقطاعها من كوردستان وعملت معظم الأنظمة على تعريبها وتغيير واقعها وهويتها التاريخية والجغرافية، من خلال استقدام مئات الآلاف من الأسر العربية وإسكانها بدلا من سكانها الأصليين الذين تم تهجيرهم وتشتيتهم منذ قيام المملكة العراقية ووصلت ذروتها في حقبة حكم حزب البعث التي امتدت من 1963 ولغاية سقوطه في 2003م.
إن خلاصة ثمانين عاما من الحكم العراقي بمختلف أنظمته السياسية، منذ تأسيس كيانه السياسي بإرادة البريطانيين والفرنسيين مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، هو ما نشهده اليوم خارج إقليم كوردستان وعلى أطرافها، حيث لوثت ومزقت سياسات تلك الأنظمة بنية المجتمعات فيما تسمى اليوم بالمناطق المتنازع عليها، وهي تسمية ظالمة إذ أنها تكرس ذات المبدأ الذي انطلقت منه كل الأنظمة الفاشية والشوفينية التي حكمت البلاد، دون أي التفات أو مجرد تفكير بمبدأ المواطنة للمشتركين عنوة في هذا الكيان، تلك السياسة التي كرست عمليات التغيير الديموغرافي وشوهت المجتمعات في محافظات الموصل وكركوك وديالى، لتثبت مبدأ التنازع والصراع حول مناطق تم ضمها إلى مجالها الحيوي بترحيل وتهجير وتعريب سكانها الأصليين، واستقدام سكان آخرين من الجنوب والوسط، عبر عقود من الزمان سبقتهم بريطانيا بعد اكتشاف النفط في كركوك، فاستقدمت مجاميع من البدو والعوائل العربية لتسكنها بالقرب من حقول النفط لتكون في خدمة مصالحها الاستعمارية وخوفا من الكورد وكيانهم القادم لا محالة.
المناطق المتنازع عليها مصطلح استخدمه الدستور في غفلة أو خباثة من بعض واضعيه لتكريس النزاع على مناطق مستقطعة من كوردستان تم تشويهها وتغيير بنيتها العرقية وهويتها القومية، بأساليب لا تختلف عما استخدمته إسرائيل في بناء المستوطنات بأرض فلسطين تحت يافطو الصهيونية وباختلافات طفيفة في الأسماء ليس إلا، فقد استخدم نظام صدام حسين العروبة حصان طروادة لتخدير مشاعر السذج لنهب وسلب أموال وممتلكات الكورد في كركوك وسنجار وخانقين وزمار ومخمور والشيخان ومندلي وجلولاء والسعدية وشهربان والكثير من البلدات والقرى الكوردية، إضافة إلى الحزام الحدودي الذي يتطابق من حيث المبدأ والأهداف مع المستوطنات الإسرائيلية أو مستعمرات البيض في جنوب افريقيا قبل مانديلا، الذي أنجز من قبل نظامي البعث في سوريا والعراق على طول الحدود بينهما من جهة كوردستان، والذي انهار خلال ساعات وتبخر سكانه المستقدمين من كلا الدولتين الى حيث كانوا قبل توطينهم في الحزام العربي.
هذا المصطلح الجائر والظالم الذي ينافي حقائق الأمور ومبادئ الدستور التي تتضمن حرية الفكر والعقيدة والاختيار، ولا تؤمن بأي تغييرات أحدثها النظام السابق، وتعمل على إزالة كل أثارها إلا اللهم إذا كان البعض ما يزال يحلم بالقائد الضرورة، وللأسف الشديد ما أكثرهم خاصة وإنهم يستثمرون مكاسب ذلك النظام، ويعتمدون قوانينه ونهجه في إدارة الحكم، كما فعل وما يزال يفعل نوري المالكي وطاقمه في الحكومة والبرلمان، حيث يتم تكريس هذا المصطلح وكأن الأمور التي أنتجها نظام البعث حقيقة واقعة دون الالتفات إلى ابسط مبادئ الدستور وأسباب سقوط ذلك النظام، مما دفعهم إلى التحايل والتسويف تارة بما يسمى بخارطة الطريق وتطبيع الأوضاع دون أي توجه جدي إلى الحل من خلال إجراء تعداد عام للسكان واعتماد نتائج تعداد عام 1957م الأقرب إلى الواقعية.
هذه المناطق المستقطعة من كوردستان تعرضت خلال الاشهر الماضية الى واحدة من ابشع الهمجيات الفاشية، حيث تم استباحة البعض منها كما حصل في سنجار وزمار وجلولاء ومخمور، لكن الشعب هناك قرر إنهاء النزاع عليها، لثبوت تورط معظم أدوات التغيير الديموغرافي فيها بالعمل مع دولتهم الإسلامية المفترضة، وحرر ترابها بدماء اغلى شبابه وشاباته ليرسم حدود وطن السلام والمحبة والتسامح، ولتكون مقابر تلك المدن والقرى خير شاهد على هويتها وانتماء اهلها!
|