البطالة والفقر تدفع الشباب في البصرة إلى الإنتحار.. المسؤولون يحذرون من تحولها لظاهرة والحكومة لا تهتم







البصرة: د. فوزي العلي..

حالة من القلق والخوف تشوب الشارع الشعبي البصري بعد تزايد حالات الإنتحار في المحافظة ووصولها درجات مقلقة تقترب من الظاهرة، فيما يؤكد المختصون أن البطالة التي تنتشر في صفوف الشباب العراقي وصعوبة الظروف الإجتماعية هي السبب وراء تنامي هذه الحالات، داعين الحكومة لوضع الحلول المناسبة وأنقاذ الشاب العراقي والبصري من براثن البطالة القاتلة.

وقال مسؤولون بصريون في تصريحات صحافية اليوم السبت أن الدوائر الأمنية والصحية المختصة سجلت وقوع خمس حالات أنتحار في غضون ايام قليلة جدا في منطقة واحدة وهي منطقة الزبير.

وكان الشاب العشريني مصطفى أقدم قبل ايام قليلة على الإنتحار بإحراق نفسه، بسبب عدم حصوله على العمل المناسب، وتقول والدة مصطفى أن "الظروف الاقتصادية الصعبة والشعور بالفقر والحاجة وتسريح مصطفى من عمله في مدينة البصرة الرياضية تحت الضغط، هي أهم الأسباب التي دفعته إلى الانتحار". وناشدت "الحكومة العراقية بتوفير فرص العمل للشباب والحيلولة دون وقوعهم ضحية لليأس والشعور بالضياع".

وأكد رئيس اللجنة الأمنية في المجلس المحلي لقضاء الزبير مهدي ريكان، على أن "هذه الحالة هي الخامسة التي يسجلها القضاء من حالات الانتحار وان أعمار الشباب المنتحرين في الحالات الخمسة لم تتجاوز الخامسة والعشرين".

وأضاف "يتوجب على جميع الجهات ذات العلاقة من الحكومة المركزية والحكومة المحلية ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني تنسيق العمل وإدانة هذه الحالات ونشر الوعي بين صفوف الشباب لكي لا يتحول الموضوع إلى ظاهرة تحرق بعدواها هذه الشريحة التي ترتكز عليها عملية بناء البلد".

ويقع قضاء الزبير غرب محافظة البصرة، ويضم الحقول النفطية العملاقة التي تستثمرها كبريات شركات النفط العالمية، وتنتج حقوله أكثر من مليون ومائتي ألف برميل يومياً أو ما يعادل 70 بالمائة من مجموع صادرات العراق في الوقت الذي يعيش معظم سكان القضاء تحت خط الفقر.

وكانت تقارير رسمية لوزارة الصحة العراقية أكدت أرتفاع معدلات حالات الإنتحار في العراق، ووصولها إلى نسب تقترب من الظاهرة. وقال تقرير للوزارة ان "طرق الانتحار بدأت تاخذ منحى اخر في العراق وتتم بطرق غير التي كانت معروفة والمسجلة سابقا بالنسبة للذكور والاناث". واشار التقرير الى ان "الطرق الاكثر شيوعا للانتحار في العراق حاليا هي عن طريق تناول العقاقير الطبية بكميات كبيرة للنساء واطلاق رصاصة في منطقة الرأس بالنسبة للرجال، فيما كانت سابقا عن طريق الحرق للنساء والشنق بالنسبة للرجال". وبين التقرير ان "نسبة الانتحار في العراق ازدادت معدلاتها عما كانت عليه سابقا والرجال هم الاكثر انتحارا بعدما كانت نسب النساء هي الاعلى ووصلت الى نسب غير مريحة".

ويرى الدكتور أحمد خيري العمري وهو طبيب وباحث ومؤلف للكثير من الكتب التي تخص الشأن العراقي) أن الانتحار في العراق لم يبدأ من الاحتلال فقط، وإن كانت قد زادت وتيرته على نحو "مزلزل" بعد الاحتلال، لكن الخلل الكبير في رأيي بدأ مع الحصار الذي فرض عقب غزو الكويت. فقد أدى هذا الحصار المر إلى محاصرة الطبقة الوسطى وتهجيرها وإفقارها من مميزاتها ومن قيمها. وهي - كما هو معلوم- الطبقة المسؤولة عن التنمية. وأدى هذا إلى ظهور طبقة جديدة من "أثرياء الحصار" لها قيم مختلفة عن القيم الأصلية للمجتمع. كما أن أي إفقار مفاجئ لمجتمع ما لا بد أن يصاحب بظواهر انحراف أخلاقي وعنف وجريمة. هذا كله بالإضافة إلى أن الحكومة آنذاك، وفي محاولة للسيطرة "الأمنية"، قامت بتعزيز الدور العشائري، الذي كان قد انحسر منذ الخمسينات، وقد ساهم ذلك كله في تكريس "ترييف المجتمع"، بدلًا من تمدين "الريف"، وهكذا نشأت قيم هجينة جديدة، وفي فترة قياسية، ومن دون أن يسمح النظام آنذاك، لعقلاء المجتمع ومثقفيه، بالتصدي للقيم القادمة، وبنشر الوعي اللازم.

وتابع مع الاحتلال زاد الطين بلة أضعافا مضاعفة، كان الاحتلال بمثابة زلزال هز البقية الباقية من "البنية التحتية" للقيم الاجتماعية، ولتكوين المجتمع العراقي. في خلال أسابيع لا أكثر، وربما أشهر في أقصى التقديرات، تحول "صغار" المجرمين، إلى "أثرياء" المجتمع الجديد، بعد أن قاموا بالسطو على المصارف الحكومية، بدعم وتسهيل من قوة الاحتلال، ومن ثم شكلوا عصابات منظمة بعدما كانوا مجرد "هواة"، وبعدها انتهزوا فرصة تشكيل قوى الأمن والشرطة الجديدة، فانضموا إليها وصار بعضهم من كبار قادتها، وخلال أشهر رأينا بعضهم نوابًا في البرلمان، ووزراء في الحكومة، في ظل تجييش طائفي، أدعي أنه كان غريبا عن بنية "تعايش" كانت موجودة بين الطائفتين العراقيتين الأكبر حجما.

 

 

البصرة – حالة من القلق والخوف تشوب الشارع الشعبي البصري بعد تزايد حالات الإنتحار في المحافظة ووصولها درجات مقلقة تقترب من الظاهرة، فيما يؤكد المختصون أن البطالة التي تنتشر في صفوف الشباب العراقي وصعوبة الظروف الإجتماعية هي السبب وراء تنامي هذه الحالات، داعين الحكومة لوضع الحلول المناسبة وأنقاذ الشاب العراقي والبصري من براثن البطالة القاتلة.

وقال مسؤولون بصريون في تصريحات صحافية اليوم السبت أن الدوائر الأمنية والصحية المختصة سجلت وقوع خمس حالات أنتحار في غضون ايام قليلة جدا في منطقة واحدة وهي منطقة الزبير.

وكان الشاب العشريني مصطفى أقدم قبل ايام قليلة على الإنتحار بإحراق نفسه، بسبب عدم حصوله على العمل المناسب، وتقول والدة مصطفى أن "الظروف الاقتصادية الصعبة والشعور بالفقر والحاجة وتسريح مصطفى من عمله في مدينة البصرة الرياضية تحت الضغط، هي أهم الأسباب التي دفعته إلى الانتحار". وناشدت "الحكومة العراقية بتوفير فرص العمل للشباب والحيلولة دون وقوعهم ضحية لليأس والشعور بالضياع".

وأكد رئيس اللجنة الأمنية في المجلس المحلي لقضاء الزبير مهدي ريكان، على أن "هذه الحالة هي الخامسة التي يسجلها القضاء من حالات الانتحار وان أعمار الشباب المنتحرين في الحالات الخمسة لم تتجاوز الخامسة والعشرين".

وأضاف "يتوجب على جميع الجهات ذات العلاقة من الحكومة المركزية والحكومة المحلية ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني تنسيق العمل وإدانة هذه الحالات ونشر الوعي بين صفوف الشباب لكي لا يتحول الموضوع إلى ظاهرة تحرق بعدواها هذه الشريحة التي ترتكز عليها عملية بناء البلد".

ويقع قضاء الزبير غرب محافظة البصرة، ويضم الحقول النفطية العملاقة التي تستثمرها كبريات شركات النفط العالمية، وتنتج حقوله أكثر من مليون ومائتي ألف برميل يومياً أو ما يعادل 70 بالمائة من مجموع صادرات العراق في الوقت الذي يعيش معظم سكان القضاء تحت خط الفقر.

وكانت تقارير رسمية لوزارة الصحة العراقية أكدت أرتفاع معدلات حالات الإنتحار في العراق، ووصولها إلى نسب تقترب من الظاهرة. وقال تقرير للوزارة ان "طرق الانتحار بدأت تاخذ منحى اخر في العراق وتتم بطرق غير التي كانت معروفة والمسجلة سابقا بالنسبة للذكور والاناث". واشار التقرير الى ان "الطرق الاكثر شيوعا للانتحار في العراق حاليا هي عن طريق تناول العقاقير الطبية بكميات كبيرة للنساء واطلاق رصاصة في منطقة الرأس بالنسبة للرجال، فيما كانت سابقا عن طريق الحرق للنساء والشنق بالنسبة للرجال". وبين التقرير ان "نسبة الانتحار في العراق ازدادت معدلاتها عما كانت عليه سابقا والرجال هم الاكثر انتحارا بعدما كانت نسب النساء هي الاعلى ووصلت الى نسب غير مريحة".

ويرى الدكتور أحمد خيري العمري وهو طبيب وباحث ومؤلف للكثير من الكتب التي تخص الشأن العراقي) أن الانتحار في العراق لم يبدأ من الاحتلال فقط، وإن كانت قد زادت وتيرته على نحو "مزلزل" بعد الاحتلال، لكن الخلل الكبير في رأيي بدأ مع الحصار الذي فرض عقب غزو الكويت. فقد أدى هذا الحصار المر إلى محاصرة الطبقة الوسطى وتهجيرها وإفقارها من مميزاتها ومن قيمها. وهي - كما هو معلوم- الطبقة المسؤولة عن التنمية. وأدى هذا إلى ظهور طبقة جديدة من "أثرياء الحصار" لها قيم مختلفة عن القيم الأصلية للمجتمع. كما أن أي إفقار مفاجئ لمجتمع ما لا بد أن يصاحب بظواهر انحراف أخلاقي وعنف وجريمة. هذا كله بالإضافة إلى أن الحكومة آنذاك، وفي محاولة للسيطرة "الأمنية"، قامت بتعزيز الدور العشائري، الذي كان قد انحسر منذ الخمسينات، وقد ساهم ذلك كله في تكريس "ترييف المجتمع"، بدلًا من تمدين "الريف"، وهكذا نشأت قيم هجينة جديدة، وفي فترة قياسية، ومن دون أن يسمح النظام آنذاك، لعقلاء المجتمع ومثقفيه، بالتصدي للقيم القادمة، وبنشر الوعي اللازم.

وتابع مع الاحتلال زاد الطين بلة أضعافا مضاعفة، كان الاحتلال بمثابة زلزال هز البقية الباقية من "البنية التحتية" للقيم الاجتماعية، ولتكوين المجتمع العراقي. في خلال أسابيع لا أكثر، وربما أشهر في أقصى التقديرات، تحول "صغار" المجرمين، إلى "أثرياء" المجتمع الجديد، بعد أن قاموا بالسطو على المصارف الحكومية، بدعم وتسهيل من قوة الاحتلال، ومن ثم شكلوا عصابات منظمة بعدما كانوا مجرد "هواة"، وبعدها انتهزوا فرصة تشكيل قوى الأمن والشرطة الجديدة، فانضموا إليها وصار بعضهم من كبار قادتها، وخلال أشهر رأينا بعضهم نوابًا في البرلمان، ووزراء في الحكومة، في ظل تجييش طائفي، أدعي أنه كان غريبا عن بنية "تعايش" كانت موجودة بين الطائفتين العراقيتين الأكبر حجما.