وزير الثقافة يأسر حلّاق القاعدة

 

ألمزاج ما زال ينام على عكرة متصلة . طلبتُ من روحي الصبر الجميل ، وأقمتُ لها متكأ مريحاً ، لمعاينة ومشاهدة حفلة تنصيب بغداد الحلوة ، عاصمة وحاضرة لثقافة العرب . حدث الأمر عصراً وحصراً ، في حديقة الزوراء ، من أعمال وأطيان كرخ بغداد العباسية ، صحبة أنواء مغبرة متربة كئيبة . مكان الواقعة ، كان خيمة كبرى ، وقد بدتْ للنظّارة ، مثل بيت عملاق لإيواء وتصحيح أعطاب الطيارات . كانت بي رغبة ضخمة لرؤية وجوه أصدقائي العتيقين ، لكن قنصات الكاميرا ، ظلت بخيلة في هذا الباب ، وأزيد واحد شبعتُ من شوفته ، كان الشاعر النائب علي الشلاه ، الذي جلس راسخاً متصقّراً نابتاً ، وراء كرسيّ رئيس الحكومة . كانت جلسة عليّ ، قلقة ومتحفزة ومتبلبلة ، كما واحدٍ به شهوة قوية ، كي يصير وزيراً لثقافة البلد ، وأظنّ أن الأمسية والريح ، قد هبّتْ صوب ما أراد واشتهى ، إذ أنّ وزير الثقافة سعدون ، لم يكن موفقاً في تأليف كلمته وتوليفها ، فضلاً عن اقترافه أغلاطاً لغوية وصياغية لا يُلبس عليها لباس ، منها نصب المجرور ، ورفع المنصوب ، وانعدام استجابة عضل الوجه ، للملحونات التي تقتضيها ، علامات الترقيم ، والمصلحة العامة . من مصائب العصرية التي أمطرتْ فوق رأس الوزير سعدون ، أنه يشغل منصب وزير دفاع البلاد ، وهذا أمرٌ قد يذكّر الناس الحاضرة ، بمعمعة أنّ للقلم والبندقية ، فوهة واحدة . سعدون الوزير ، لم يوفقهُ الله أيضاً ، في مسألة حزنه وأسفه ، على الضنكة الأمنية التي وقعت قبل وبعد دلوف الناس إلى باطن الخيمة ، وإذ سوّغها وأعاد أصلها وفصلها ، إلى فئة الصيادين المتحفزين ، ومصّاصي الدماء ، كان بمقدوري ، أنا القاعد على مشمورة ألف كيلومتر ومترة من مكان الحدث ، أن أُنصتَ إلى هسيس وبسيس ووشوشة مائة حاضر وحاضرة ، تتناهبهم الهواجس والوساوس والأسئلة المتصلة ، بمسألة بسط الحكومة سلطتها على جزيرة أُمّ الخنازير ، ومدى صحة نبأ وقوع حلّاق القاعدة في الشبك . في المشهد التالي من الحفلة ، إرتقى زعيم الحكومة نوري أبو إسراء ، دكة المسرح ، وقد سجّلنا عليه ثلاث هفوات ونهفة . الأولى أنه أودع كلمته بيمين واحد من شباب الحامية ، الذي قام بتسليم ورق الكلام ، إلى الرئيس نوري ، وهو قائم في حلق المايكرفون ، وإذ خلص من زمن خطبته ، إلتقاه الحامي نفسه ، وشال عنه الوريقات الصفر . أما الثانية ، فكانت كامنة في صوته الذي بدا أقرب إلى صوت تلميذ إبتدائي متحمّس ، كلّفهُ معلّم القراءة الخلدونية ، برفعة علم يوم الخميس . أما الثالثة ، فكانت في مشيته التي طولها عشرون متراً ، فوق خشبة المسرح . لقد بدا الرجل فيها مذهولاً بطيئاً ، مثله مثل الذي إشتهى لفّة عمبة وبيض من محل فالح أبو العمبة ، فلما وصل دكان العمبة المبروك ، وجد العمالة تشطف وتكنس وتدردمْ . من المتكلمين في تلك الموقعة ، رجلٌ اسمه نبيل العربي ، وهو من أهل النيل ، ويشتغل الآن ، زعيماً لجامعة العرب الجامعة . تكلم الرجل الشائب طويلاً ، في الأدب وفي الفنّ وفي السياسة المجاورة لهما ، ومن قوة التحميس الزائد ، كاد نفَسُهُ يذوي ، ومن أجل رشّ النظّارة القاعدين ، رشّة سعدٍ وبهجة وحبور ، فاض عليهم بنكتة – هذا هو حال الفراعنة أينما حلّو – لكنّ طرفته كانت متلكّئة وضعيفة ، فاستقبلتها الناس السامعة والشائفة ، بمشاعر تشبه مشاعر قوم ، وهم يتلقّون ضحكة غادرة ، في خيمة عزاء . أما الشاب ثقيل الجسم ، الذي قام بتشخيص أبي جعفر المنصور ، في أخير الأمسية ، فلقد بدا كسولاً وغير جادّ ، وعلى وجهه ضحكة مثل ضحكة عباس جيجان ، وبهذه الفعلة ، يكون صاحبنا قد ثلمَ من هيبة باني بغداد العظيم . كان كما لو أنه جان دمّو ، وقد سحلته الشرطة من بطن حانة " شريف وحداد " وطلبت منه ، تمثيل شخصية عنتر بن شدّاد !!