في تصريح مفاجئ وارتجالي ربما تأثر بحركة الامواج التي رست عليها البارجة الفرنسية و من متنها اطلق دمبسي تصريحاته المتحركة التي قال فيها "من الخطأ تكثيف الضربات الجوية للائتلاف الدولي على مواقع ومقرات مسلحّي داعش "داعيا في المقابل إلى اعتماد الصبر الاستراتيجيStrategic Patience" في مُواجهة هذا التنظيم .
دمبسي استمات في دفاعه أيضا عن وتيرة العملية العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي وإستراتيجيتها، ولم ينسَ ان يغازل السعودية بأن ينتقد عمليات الجيش العراقي التي سطرت انتصارات رائعة في معاركها مع داعش بعيدا عن خطط دمبسي التي اثبت ( مجاهدي الحشد الشعبي ) فشلها ، وشكك دمبسي "بمستوى جاهزية الجيش العراقي" التي انتقدها، و"بمدى رغبة الحكومة العراقية في تحقيق المصالحة مع السكان العرب السنّة الذين يشعرون بالتهميش ويتوجّسون خيفة من القوات العراقية التي يهيمن عليها الشيعة".
أما عن الصبر “الإستراتيجي”، الذي روجت له القيادات العسكرية الامريكية وتفاعل معها سياسيو البيت الابيض فهي تتحدث عن ثلاثين سنة للقضاء على داعش والا فأنّ توسيع الحملة العسكرية على تنظيم داعش سيكون خطأ في المرحلة الراهنة وسيسفر عن مزيد من الضحايا المدنيين، ممّا سيدعم الدعاية التي يقوم بها التنظيم ضد التحالف” والا فأن اي تحرك عراقي سريع وبعيدا عن التوقيتات الامريكية فهي حتما ستكون ( معارك شيعية ضد المساكين السنة ) !!
ينسى أو يتناسى الجنرال دمبسي، الذي يحمّل المسؤولية للقوات العراقية والحشد الشعبي بأنه وقياداته تخلوا عن مسؤلياتهم المقررة بموجب الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة مع العراق والتي تقضي بوجوب ان تقوم امريكا بمساعدة العراق على حماية اراضيه ومصالحه من كل ما يعرضها للخطر بل انهم تراجعوا حتى عن تزويد العراق بما يحتاجه من تجهيزات عسكرية قد دفع العراق اثمانها منذ اكثر من ثلاث سنين، كما ينسى دمبسي أنّ اغراق العراق بالحرب الطائفية واشعال فتيلها كان في زمن كل مقدرات العراق وقراره مرهون بأيديهم كما انها ليست مصادفة ان تشتعل الحرب الطائفية في وقت حضور جون نغروبوبنتي، مهندس فرق الموت في امريكا اللاتينية ، لينفّذ نفس المخطّط ويغرق العراق في بركة الدم الطائفية التي لم تجفّ لولا حكمة بعض علماء الدين ورجال العشائر وبعض السياسيين الوطنيين الذين تصدوا بكل قوة لدعاة التطرف والشحن الطائفي .
أما عن حرصه المزيف على المدنيين فمذ متى كانت في العقيدة العسكرية الامريكية حرمة للمدنيين ؟ أم يحسب دمبسي أنّ العراقيين نسوا مافعلته الطائرات الامريكية ابان حروب الخليج الاولى والثانية والثالثة.. وحمم صواريخهم واليورانيوم المنضّب الذي أتى على الأخضر واليابس والى اليوم يعاني العراقيون اثار تلك القنابل المسرطنة !!! ثم من فرّخ التنظيمات الداعشية والقاعدية التي توالدت كالفطر السام في الشرق الاوسط ؟ من درّبها وسلّحها وأطلقها أدوات لحروب الوكالة ؟؟
يبلغ الاستخفاف بالعقول أوجه حين يُنصّب الجنرال دمبسي نفسه إماما مدافعا عن “سنّة” العراق ليحذّر حكومة نشأت بتوافق كل اطراف العملية السياسية “احتمال تفكّك الائتلاف الدولي في حال لم تقم الحكومة العراقية بتسوية الخلافات الطائفية في البلاد”! مُكمّلا عظاته بتذكير العراقيين “أنّ هدف واشنطن وبقية دول الائتلاف هو التأكّد من أنّ حقوق كل المجموعات من سنّة وشيعة وأكراد وغيرهم ستكون مصانة”! انه لمن هوان الدنيا ان يكون الجنرال دمبسي وتحالفه، من راغبين وصاغرين وقلقين، ضامنين لهؤلاء العراقيين وحدتهم الوطنية!!
لنفترض جدلا جدية الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب الداعشي الذي اجتاح اربعة محافظات عراقية ، لكن لنسأل أيضا الأسئلة التالية: مالذي أخر واشنطن عن دعم العراق في مواجهة داعش الم يكن تردد امريكا في مواجهة داعش سيد الموقف عندما اجتاحت داعش المدن العراقية ؟ أ لم يمتنع بنتاغون دمبسي عن تقديم أية مساعدات للقوات العراقية وظلّ يماطلها ولا يزال في تنفيذ الاتفاقية الأمنية الموقّعة مع بغداد إبّان الانسحاب الأمريكي من العراق؟ أ لم تؤكّد لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب العراقي، على لسان رئيسها، حاكم الزاملي، مستشهدا ب”الوثائق والصور والمعلومات أنّ بعض طائرات التحالف تخرق السيادة العراقية والأعراف الدولية من خلال إلقاء مساعدات لتنظيم داعش، وهبوط بعض هذه الطائرات في المطارات التي يسيطر عليها هذا التنظيم، في حين أنّ كل الأجواء تحت سيطرة التحالف الدولي، ممّا يُثبت تورّط دول أو دولة في هذا الأمر ، ممّا يشكّل خطورة على القطعات وعلى أمن العراق ويطيل أمد الحرب”؟! أ لم تقصف نيران التحالف “الصديقة” مُعسكرا للجيش العراقي قرب الرمادي بمحافظة الأنبار، في عزّ معركة استعادة تكريت؟
كلاّ فصبر الجنرال الإستراتيجي ليس التناقض ولا الارتباك ولا التخبّط، بل هو مخطط مرسوم يقضي بأنشاء دولة للدواعش تمتد من الرقة الى الموصل تفرضها امرا واقعا المتغيرات الدولية والاقليمية في الثلاثين سنة القادمة وهي المدة التي قررها البنتاغون للخلاص من داعش وهي بالحقيقة مدة كافية لانشاء دولة الدواعش التي ستبتلع دولة الخلافة العثمانية اراضيها بعد ثلاثين عاما لتحقق حلمها في عودة ولاية الموصل التي لا زالت الى اليوم تخصص لها ميزانية ضمن الميزانية الرسمية للحكومة التركية مقدارها ليرة واحدة كأجراء رمزي يكرس ثقافة عائدية الموصل الى تركيا .
مع ذلك ثمة من لا يزالون يراهنون على الولايات المتحدة في حرب تخوضها على أراضيهم وبتمويلهم وبأبنائهم يُساقون إلى المسلخ الطائفي دون أن تهتزّ لهم شعرة او يعرق لهم جبين !!
لقد اثبتت هذه الايام بما لا لبس فيه ان امريكا فعلا هي الشيطان الاكبر
|