ضحايا العدالة بين مجلس النواب وسلطات الحكومة وأحكام القضاء!

لو قمنا باجراء احصائية بسيطة عن عدد الموقوفين والمتهمين الذين يتم اطلاق سراحهم في كل شهر من السنة والسنوات السابقة لاصبح العدد ربما يقترب من نصف مليون شخص حسب الاحصائيات الرسمية التي يتم الاعلان عنها وكانها انجازات او انتصارات للجهة التي تعلن هذه الاحصاءات، في حين ان هذه الاعداد تشكل اكبر واوضح دليل ادانة ضد الحكومة وسلطاتها والتي تعمدنا في العنوان بقولنا (سلطات الحكومة) التي تمثل قوة وطغيان السلطة التنفيذية التي تحولت الى الآمر والناهي، واصبحت بقية السلطات (التشريعية والقضائية) خيال ضعيف يحاول استرضاء ومجارات هذه السلطة ورموزها ايا كانوا باختلاف اسمائهم ومناصبهم والذين يريدون سن وتشريع قوانين على مقاسهم ومصلحتهم وهواهم.

ما شهده مجلس النواب العراقي من جلسة صاخبة وتجاذبات ومشادات كلامية واعتراضات ادت الى تأجيل طرح ومناقشة قانون "ضحايا العدالة" الذي يهدف الى تعويض كل من تم اعتقاله وثبتت براءته لاحقا، حيث ادى ادراج القانون على جدول اعمال جلسة الخميس الى نشوب مشادات بين عدد من النواب اسفرت عن رفع الجلسة الى اشعار آخر.

ورغم ان هذا القانون الذي وافقت عليه اللجنتان القانونية وحقوق الانسان مهمته انصاف الابرياء الذين تم اعتقالهم او صدرت بحقهم احكام بالسجن واطلق سراحهم لاحقا، وهو ما سيضمن عودة المعتقلين الأبرياء المفرج عنهم إلى وظائفهم ومقاعدهم الدراسية بعدما فقدوها بسبب الاعتقال مع تعويضهم ماديا من قبل الحكومة، لكن الغريب ان بعض النواب ينسون واجبهم الحقيقي او مهمتهم الرئيسية باعبارهم ممثلين للشعب بمختلف مكوناته وانواعه ومستوياته (وطبعا المعتقلين او المتهمين هم من ابناء الشعب العراقي وقد صوتوا بالانتخابات لصالح هذا النائب او تلك القائمة) فيحاولون ادخال السلطة القضائية على خط رفض القانون من خلال القول ان هذا القانون يتضمن مساسا بالقضاء العراقي، وهو ما فعله احد النواب باثارة الفوضى داخل الجلسة بعد اعتراضه على عرض مسودة المشروع ولوللقراءة الأولى وطلبه مغادرة القاعة، وهو ما يعني ان هذا النائب ومن وافقه في رفضه حتى ولو لقراءة هذا القانون انهم لا يعرفون ماهي مهمتهم وليس لهم اي علاقة بعمل مجلس النواب.

وهذا ما يدفعنا ان نقول لهم ولغيرهم ان مهمة او عمل مجلس النواب الاساسي او (مجلس الشعب او كما يسمى في بعض البلدان مجلس وطني او المجلس التشريعي اوايا كانت التسمية) باعتباره السلطة التشريعية في الدولة هي حسب ما ينص عليه دستور الدولة وما منصوص عليه في القانون او النظام الداخلي للمجلس، وفي العراق نص الدستور العراقي لسنة 2005 في المواد 60 ثانياً والمادة 61 بفقراتها التسع والمادة62 على مجموعة كبيرة من المهام والصلاحيات بحيث تجعله السلطة الاولى والاساسية في العراق الجديد، لانها هي التي تمنح وتعطي الشرعية والصلاحيات لباقي السلطات سواء كانت التنفيذية (الحكومة) او (رئيس الجمهورية) او السلطة القضائية (محكمة التمييز والاشراف العدلي والادعاء العام) والسفراء وقادة الجيش ..الخ من السلطات التي يبدو ان الكثير من اعضاء مجلس النواب لا يعرفون عنها شيئاً بدليل انشغالهم بالمساجلات والتصريحات البعيدة عن كل ما يتعلق بعملهم واختصاصهم ومهمتهم الرئيسية وهي( اولا وثانيا من المادة 61) التي نصت: يختص مجلس النواب على (تشريع القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية).

لكن صلاحية تشريع القوانين سلبت من مجلس النواب بقرار غريب وفريد من المحكمة الاتحادية صدر في زمن ولاية الحكومة السابقة (حكومة المالكي)، كما قامت المحكمة الاتحادية بتعطيل مقترح قانون البرئ المقدم من مجلس النواب بحجة ان مجلس النواب لا يملك الا صلاحية اقتراح مشاريع القوانين بحيث يرفعها الى مجلس الوزراء (الحكومة) او رئاسة الجمهورية اللذين يمتلكان حق اقتراح القوانين، وهو ما يعني ان أكثر من نصف عمل مجلس النواب قد تم سلبه ومنحه الى السلطة التنفيذية التي توسعت وامتدت سلطاتها بما يشبه الانقلاب على الدستور الذي لم يشر الى صلاحيات المحكمة الاتحادية الا بمادة واحدة هي المادة 93، رغم ان هذه المحكمة قد تم انشائها حسب قانونها في زمن بريمر ونص ان عملها ينتهي بمجرد صدور ومصادقة الدستور العراقي الا ان هذه المحكمة توسعت وامتدت وصنعت لنفسها صلاحيات غير موجودة في قانونها او الدستور.

قانون ضحايا العدالة او قانون انصاف البرئ او اياً كانت التسمية والعنوان الذي سيصدر به يجب ان يركز على حقيقة واحدة وهي كما ان للجريمة ضحايا يحميهم ويحفظ حقوقهم القانون من حيث تحديد المركز القانوني لكل واحد منهم، وبيان الطرق والوسائل والضمانات التي حددها القانون بمختلف فروعه سواء كان القانون الجنائي (قانون العقوبات واصول المحاكمات الجزائية) او القانون المدني او غيره من القوانين مثل قانون التأمين او قانون تعويض ضحايا العمليات الارهابية التي تبين بشكل تفصيلي الضحايا والمتضررين وحقوق وطريقة استيفاء ومنح كل ضحية من ضحايا اية جريمة عمدية كانت أم ناتجة عن خطأ الحقوق المقررة لهم قانوناً وشرعأً، فكما ان للجريمة ضحايا فان للعدالة ايضاً ضحايا يعانون ويتضررون من واثناء عمل الحكومة وسلطاتها ومؤسساتها من دوائر الشرطة ومراكز الحجز والمواقف والسجون وبسبب عمل القضاء وبسبب القرارات والاحكام التي تصدر اثناء مرحلتي التحقيق او المحاكمة والتي من جرائها يتضرر اناس ابرياء يجدون انفسهم موقوفين ومعتقلين وحتى محكومين وتظهر برائتهم بعد ذلك مما يتوجب على الدول تعويضهم واعادة الاعتبار الى انسانيتهم وآدميتهم التي تم انتهاكها والتعدي عليها بموجب سلطات الحكومة واحكام القضاء.

هذا ومن الجدير بالذكر ان نشير الى ان اقليم كوردستان قد سبق العراق الاتحادي بتشريع هذا القانون حيث صدر (قانون تعويض الموقوفين والمحكومين عند البراءة والافراج في اقليم كوردستان-العراق رقم 15 لسنة 2010 بتاريخ 26/12/ 2010 )* واصبح نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وقائع كوردستان العدد121 بتاريخ 24/1/2011، كما صدرت تعليمات مجلس القضاء في اقليم كوردستان رقم 1لسنة 2011 حول كيفية طلب التعويض عن التوقيف والحكم بالبراءة، وهو ما يبين وبوضوح الى التطور التشريعي والاهتمام بحقوق الانسان في الاقليم بصدور هذا القانون قبل خمس سنوات في حين ان مجلس النواب العراقي لم يستطع حتى القيام بالقراءة الاولى لمسودة القانون.