زمن انور الحمداني


في السياسة، ينبري بعضهم ليختزل العراق بشخصه، فيما يحفل تأريخه النضالي السلبي والإيجابي بالتناقضات، فما كان حلالاً زلالاً في مرحلة المعارضة، تصبح حراماً في عهد السلطة والصولجان، برغم الفعل واحد في المرحلتين.


وهكذا يبدو السياسي المتسلط دائماً، صوت الوطن النابض، وصوت الشعب الناهض، وصوت الضمير، وكل من خالفه أو عارضه فهو خائن وعميل.

لذا تجد من يلتف الى جانبه، ويلتحف بلحافه، وينزع عنه كل الوجوه التي تعكر صفوة العلاقة بالزعيم المفتدى، وهذا الحال مع الأسف، باق، ولم يتغير، برغم أن ظاهر النظام الحالي ديمقراطي 'لكسر العظم'.

وعلى خطى السياسة، ركب الموجة بعض إعلاميي الصدفة، من الذين لم يتمكنوا من أن يخلعوا لباسهم القديم بالكلية، وظلت تراودهم تلك الآليات التي تشبعوا بها، أو تعلموها، حتى أصبحنا نرى اللقاء أو المقابلة التلفزيونية أقرب ماتكون الى تحقيق إرتوازي في واحدة من الغرف الحمر في جهاز المخابرات.

لعل الكلمة الأخيرة، قد تفصح عن الزميل الإعلامي الألمعي، أنور الحمداني، كون بعض الإشاعات، أو المعلومات، تشير الى أنه كان مخبر سابق في جهاز المخابرات، ولعل طبيعة لقاءاته، تعطي مسحة واقعية لتأريخ الرجل، الذي يكتنفه الكثير من الغموض، حتى في أصله وفصله، لكن في الإعلام لايضر المرء الا مادته الإعلامية، بدليل أن أوبرا الأمريكية، كانت مجهولة النسب، أو أنها نتيجة علاقة غير شرعية، ومع ذلك لم يخدشها هذا في أن تكون أشهر مقدمة برامج في العالم، ومن أثريائه أيضاً.

ربما أدرك الحمداني، أو إختر له أي لقب آخر، هذه الحقيقة، وأخذ يتلمس عن طريق الإعلام الشهرة والمال، ليس من صاحب الفضائية السيد عون الخشلوك، برغم أنه وضعه على سكة المجد، مثلما أسكنه في فلة في أحد مناطق القاهرة الراقية.

ولعل هذه العلاقة هي الأخرى، مثار تساؤلات، فالرجل الآخر في حياة الحمداني، لايعرف من أين كوّن ثروته، ولاكيف ظهر غفلة من الزمن كواحد من أساطين الإعلام العراقي بعد 2003.. المهم (التم المتعوس على خايب الرجى)، وأخذا سوية يعزفان على معاناة العراقيين.

وكانت واحدة من أهم القضايا التي ممكن أن تزيد رصيدهما الإعلامي والمادي ايضاً، هو التطرق الى الفساد الذي إستشرى في الدولة العراقية، كمؤسسات، وليس جغرافية أو تاريخ، وإن كانت تجرى محاولات محمومة على قدم وساق لتغيير الجغرافية والتأريخ أيضاً بحسب مقتضيات المرحلة الجديدة التي يعيشها العراق الجديد أيضاً.

بداية، الفساد الذي يتناوله الحمداني في برنامجه 'ستوديو الساعة 9'، إنتقائي الى حد كبير، ولربما دعائي ايضاً، لبعض الواجهات والوجوه، التي أصبحت ضيوفاً مزمنين على البرنامج، تحت عنوان التصدي للفساد، مع أن بعض أبطال البرنامج الذي كان يتغنى بهم الحمداني، ويمجد دورهم 'الوطني' في محاربة الفساد، كانوا جزءاً من ماكنة الفساد، وطرفاً أساسياً فيه، لكن يبدو أنهم عرفوا مبكراً الهدف الإبتزازي من البرنامج، فدفعوا الأتاوى لصاحب الفضائية، أو للحمداني مباشرة، كي يضربوا عصفورين في حجر واحد، يكسبون من خلاله صوتاً يلمعهم، ويمنع عنهم في المقابل القيل والقال، وهو محور آخر من محاور الفساد.

ومع إتساع جماهيرية البرنامج، ولاسيما في المرحلة السابقة التي أخذ فيها الحمداني يتصدى لحكومة رئيس مجلس الوزراء السابق، نوري المالكي، التي كانت غنية بمظاهر الفساد، لكنه تناولها من وجهة واحدة، حيث كانت هناك أسماء وشخصيات غير مشمولة بتهمة الفساد، بل العكس كان البرنامج يظهرها، نقية تقية، وللأسباب التي بيناها، فيما كانت هي نفسها من تزوده ببعض الوثائق، حتى حمى وطيس الحمداني، وكاد ان يحرق مقعده، من شدة الشعارات، والبكاء على الوطن، وثروته الضائعة، لكن فاته أو (غلس) على قول المصريين، وأنا تروني أردد دائما أمثالاً مصرية، لكي أحيط الزميل الحمداني بأجواء العاصمة المصرية التي يعيش فيها منذ السنوات، على مستوى البشوات، أقول فاته أو (غلس) أن يسأل عن مصدر أموال ولي النعم (الخشلوك)!!.

وهكذا، يبدو الفساد لدى الزميل الحمداني، مجرد وجهة نظر، وهذه الوجهة ليست على أساس حسن النية، أو التعاطي مع الوثائق والمستندات، وإنما على أساس المغانم والأرباح، بدليل أن الزميل خلع ملابسه السود التي كان يرتديها في عهد المالكي، ولبس الفواتح المفرحة في عهد رئيس مجلس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، وأخذ يغازله في بعض القرارات والحركات، التي دفعت بمقدم برنامج بشير شو أن يسخر منه، ولاسيما تلك التي حاول فيها الحمداني أن يقدم العبادي الأول في لقطات رصدها له، وهي بالعرف العراقي (لواكه) مع سبق الإصرار والترصد.

مانريد أن نصل اليه، أن علينا أن ننزه أنفسنا قبل أن نرمي الآخرين بالفساد، ومن كان منكم بلا فساد فليضرب المفسدين بالحجارة، إستنباطاً من قول السيد المسيح، عليه السلام: 'من كان منكم بلا خطيئة فليلقمها بحجر'.