ما ينبغي على إيران أن تفهمه

هناك شعور عام بأن إيران منهمكة حاليا في اتباع سياسة إمبراطورية توسعية تستغل التمزق الذي أصاب المنطقة العربية منذ سقوط صدام حسين وفشل الربيع العربي. تحلم الشعوب دائما باستعادة أمجادها الإمبراطورية عندما تكون لها مثل هذه الأمجاد. سبق لنا أن حلمنا بمثل ذلك في أيام إيماننا بالوحدة العربية. وللفرس تاريخ إمبراطوري لا يقل عن تاريخنا. بيد أن العثمانيين ومن بعدهم الإنجليز وقفوا في طريقهم في ابتلاع العراق. غير أنهم أفلحوا بابتلاع الأحواز وبقيت أعينهم تبحلق نحو العراق. وكاد البلدان يدخلان في حرب عام 1936 بصدد شط العرب لولا تدخل إنجلترا مرة أخرى. وجود فرنسا في سوريا ولبنان ووجود إنجلترا في العراق وعدن والجنوب العربي ظل يعرقل أحلامهم. بيد أن خروج الدولتين حوّل الساحة إلى «قاع وما عليها والي»، على حد قول العراقيين. انفتح الطريق أمام إيران. ومن حسن حظها أن إحياء الإمبراطورية الفارسية أسهل بكثير من إحياء الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج.
ولكن السؤال الجـدير بالطرح هو: ما الذي تجنيه إيران منها؟ بالطبع هناك الهيبة، هيبة الطاوس، والغرور القومي، وكلاهما مكلفان دون مردود مالي. المناطق التي أقامت فيها إيران رايات نفوذها مناطق غارقة بالمشكلات. يعلم الله كم بلغت كلفتها بالأرواح والأموال حتى الآن في لبنان واليمن وسوريا والعراق. ما هو المردود المالي من وراء ذلك؟ بالطبع حصلت على أسواق لمنتجاتها على الطريقة الإمبريالية الغابرة. بيد أن الحصول على أسواق لم يعد مشكلة تتطلب شحذ السلاح في عالمنا المعاصر، عالم التجارة الحرة. كل ما تحتاجه للتصدير هو تحسين منتجاتك وتخفيض أسعارها.
ولكنْ لإيران مطمح أكبر من مجرد بيع السجاد والرمان. هناك الثروة النفطية البليغة للمنطقة. وهنا الغصة. النفط موضوع خطير بالنسبة للدول الكبرى والاحتكارات الأخطبوطية. وكلها تهتدي بالمثل الإنجليزي: لا تضع كل البيض في سلة واحدة. وتوفقت الإمبريالية باتباع قاعدة «فرق تسد». يعني ذلك أن الدول الكبرى ستتمسك بالتجزئة الحالية لاستخراج النفط وتصديره عبر سلة من دول المنطقة. لن يسمحوا لأي دولة أن تسيطر على كل أو جل هذا النفط. فهذا سيعطي إيران قوة ضاربة في سائر الميادين العالمية. بالإضافة إلى تحكمها - وليس تحكم الدول والشركات الكبرى - في أسواق الطاقة. كلا. لن يسمحوا لها باقتحام الدول النفطية المجاورة. ما يجدر بإيران أن تتذكره كيف أن أميركا كفت يد صدام عن السيطرة على نفط الأحواز وبصورة أوضح وأدق على نفط الكويت. أنا واثق أن الغرب لم يكن مستعدا لخوض الحرب الضارية ضد صدام لولا الحاجة لمنع دولة نفطية كالعراق من توسيع قدراتها النفطية بإضافة حقول الكويت أيضا.
وهذا ما يلوح لي بأن إيران تقوم بمقامرة مكلفة. إذا لم تضع يدها على نفط الدول المجاورة كالعراق لتغطي نفقات مغامراتها الإمبراطورية وتواصل بعين الوقت مساعيها النووية الباهظة الكلفة فسيتحمل الشعب الإيراني أعباء اقتصادية مضنية تزج به في أتون الفقر، وللفقر نتائجه وآلياته.