المعالجات الطبية وتطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد

تتطور تطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد (3 - D. printing) في مجالات حياتية شتى اليوم، والكلام عن تطبيقات هذه النوعية الجديدة من الطباعة ينقلنا من عالم إلى عالم آخر حديث تحول فيه مفهوم الطباعة من صبغ ألوان إلى إنشاء مجسمات. وقد يصاب كثيرون بالدهشة عندما يتابعون تطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد في المجالات الهندسية والإنشائية، ولكن تطبيقات المعالجات الطبية لا تزال الأرض البكر والميدان الواسع لهذه التكنولوجيا الحديثة.
الباحثون في علوم الأورام وجدوا مجالا جديدا لاستخدام تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد في إنشاء كتلة من الورم السرطاني لدى المريض، واستخدامها نموذجا لاختبارات تقييم تأثيرات المعالجة الطبية لتلك الأورام السرطانية المماثلة في جسم المريض، أي اختبار مدى استجابة وكيفية استجابة كتلة الخلايا السرطانية الموجودة داخل عضو الجسم للمعالجات الإشعاعية أو الكيميائية أو غيرها. وفي هذا الشأن تعلق روزالي سيرس، بروفسورة علم الوراثة الجزيئية والطبية بجامعة أوريغن للصحة والعلوم في بورتلاند، بقولها: «إننا نأمل أن تكون هذه الطريقة وسيلة اختبار لكيفية استجابة كتلة الورم» عبر مهاجمة تلك الكتلة من الورم السرطاني بأنواع مختلفة من وسائل العلاج للأورام السرطانية.
وهذا التوجه ربما لا يزال في بداياته بالمقارنة مع تطبيقات الاستفادة من تقنيات الطباعة الثلاثية في مجالات صناعة الأعضاء الصناعية (prosthetics) للتحول نحو طباعة كتلة الخلايا لتشكيل نموذج لعضو، ومن ثم احتمالات نجاح ذلك في إنشاء أعضاء يمكن زراعتها داخل الجسم. وهو ما علق عليه تيري يوو، البروفسور المتخصص في علوم الكومبيوتر والطباعة الثلاثية الأبعاد على وجه الخصوص في المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة (NIH)، بالقول: «الطباعة الثلاثية الأبعاد في المجالات الصحية بالمختبرات العلمية أقرب مما مضى». ويضيف الدكتور هود ليبسون، الأستاذ المشارك في الهندسة الحيوية بجامعة كورنيل بنيويورك، قائلا: «هذه هي البدايات، ومجالات المواد المستخدمة في الطباعة الثلاثية الأبعاد آخذة في التوسع، والتكاليف المادية لها آخذة في التناقص، وكل ما نراه اليوم هو مزيد ومزيد من التطبيقات التي لم نرَ حتى اليوم أقلها مما سيكون حقيقة في المستقبل». والدكتور ليبسون هو مؤلف كتاب «العالم الجديد للطباعة الثلاثية الأبعاد».
وسبق الحديث قبل نحو عقد من الزمان عن بدايات التفكير العلمي حول هذه التطبيقات في ملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط» في عرض «أبحاث رائدة لتطوير أنسجة توصيل الكهرباء في القلب»، بعدد 13 يوليو (تموز) 2006، والحديث عن «إنتاج مثانة كاملة زرعت بنجاح داخل المرضى لأول مرة» في عدد 13 أبريل (نيسان) في العام نفسه، لمتابعة هذه المجالات الرائدة في تطور الطب.
تطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد تطرق أبواب طب القلب، ويقول دكتور طب قلب أطفال ماثيو براملت من مستشفى الأطفال في إلينوي، إن ثمة جراحي قلب يخططون لعملياتهم الجراحية لحالات التشوهات المعقدة في بنية القلب باستخدام تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد لإعداد نماذج شبيهة لما هو لدى قلوب المرضى. وهو ما يرى أن نتيجته ستكون فاعلية أكبر في احتمالات نجاح العمليات الجراحية، وإحدى تلك الحالات تم فيها إجراء العملية الجراحية بطريقة مخالفة لما كان معتادا عليه، والطفل، كما يقول الدكتور براملت، من المتوقع أن يحيا فترة أطول وأفضل مقارنة بغيره من المرضى الذين خضعوا للعمليات التقليدية. ويضيف أن «تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد تنقلنا من عالم نتائج الفحوصات ذات البعدين، إلى صناعة نموذج يمكننا لمسه بأيدينا وتقييم حجمه وكيفية التعامل الجراحي معه بشكل لم يسبق لنا من قبل»، ويصف الأمر بأنه «تغيير في كيفية ممارسة اللعبة».
ويوضح المهندس الدكتور أكسيل كريغر، من المركز الطبي الوطني للأطفال في واشنطن العاصمة، الذي يستخدم نماذج لحالات التشوهات المعقدة في بنية القلب عبر إنتاجها بالطباعة الثلاثية الأبعاد وذلك لغايات تعليمية أو لغايات إرشادية في كيفية إجراء العمليات الجراحية، بالقول إنه وفريقه أنتجوا 40 نموذجا لحالات مرضية مختلفة في بنية القلب. ولكن يظل السؤال لديه: هل هذه التطبيقات ستؤدي إلى تحسن في نتائج إجراء العمليات الجراحية؟ وهو ما يحتاج إلى إثباتات علمية.
ولكن على الرغم من هذه الأمور الإيجابية في بدء التفكير الطبي في الاستفادة من المجالات الواعدة للطباعة الثلاثية الأبعاد في المجالات العلاجية، فإنه تجدر ملاحظة أن هذه التطبيقات لا تزال ضمن أروقة المختبرات لمعرفة كيفية الاستفادة منها بشكل عملي في حالات المرضى، وفي الولايات المتحدة، كما يقول الدكتور ليبسون، سيأخذ الأمر على أقل تقدير 5 سنوات قبل نيل موافقة «إدارة الغذاء والدواء (FDA)» عليها بوصفها وسائل علاجية لحالات المرضى الفعليين.