الاسلام .. "التعدد"



مما يؤسف له ان يروج للدولة المذهبية للخروج من الازمات التي يعاني منها العراق .من دون التنبه ان الازمات بداخل المذاهب تفوق احيانا الازمات بين المذاهب المختلفة بسبب الاجتهادات والاراء المتباينة والمختلفة بين اتباع المذهب الواحد ،مما خلق ازمات تكاد تكون مستعصية على صعيد التعايش السلمي والاجتماعي بين اتباع المذهب الواحد وبين اتباع المذاهب المختلفة في نفس الان . واذا اردنا اتباع مثل هذه الحلول السقيمة نحتاج الى عدد من الدول بعدد المذاهب التي عندنا وثانيا نحتاج الى عدد من الدول تمثل كل واحدة منها الاراء المختلفة والاجتهادات داخل كل مذهب من هذه المذاهب ، فيصبح عدد الدول المطلوبة مساوية لعدد المذاهب زائدا دول بعدد الاجتهادات والاراء داخل كل مذهب منها ، وقد تتفوق عدد الدول الممثلة لكل مذهب على عدد الدول المشكلة على اساس لون مذهبي واحد .

وهذه معضلة رياضية بحد ذاتها لان كثرة الدول المذهبية قد تثير شهوة المجتهدين داخل كل مذهب لتأسيس مذاهب جديدة للمطالبة بدول مستقلة لاتباعها فتصبح عدد الدول في العراق خاضعة لقانون المتواليات الرياضية .فاذا ابتدأنا باربع دول فبعد مرور اربع سنوات ستصبح ثمانية وبعد ثمان سنوات ستصبح ستة عشرة دولة وهكذا لا يتوقف الحال عند نقطة معينة لان رؤساء العشائر قد يستنسخون مبدأ الدولة المذهبية لتأسيس الدولة العشائرية وبما ان اكثر العشائر العراقية مكونة من الطائفتين السنية والشيعية تبدأ الدولة العشائرية وتؤسس على اساس مذهبين قابلة للانفصال مستقبلا لتكون لكل عشيرة عراقية دولة سنية ودول شيعية . وهذه من الجاهلية او العصر الجاهلي قبل مجيء الاسلام فقد كان في الجزيرة العربية لكل عشيرة عربية مرابع وارضي لا تسمع للعشائر الاخرى بالرعي فيها او استغلالها باي شكل من الاشكال او استغلال الماء او الابار فيها وغيرها من الضوابط ولهذه العشائر حدود معروفة لباقي العشائر لا يجوز تجاوزها وفي حالة تجاوزها تصل الخلافات لحد الحروب كما تحدث في عصرنا الحروب نتيجة للاحتلالات او التجاوز على حدود الدول او الاعتداء عليها او ماشابه ، وسيجد رؤساء العشائر في الجزيرة العربية قبل الاسلام تراثا غنيا يعينهم على تأسيس الدولة العشائرية في العراق او غيره من الدول العربية بشقيها السني والشيعي او من الاثنين معا .

ويصبح لدينا في هذه الحالة او نكون في هذه الحالة على نوعين متناسلين من الدول في العراق ،الاولى على اساس طائفي ومذهبي تنشطر الى عدة دول كل دولة تمثل مذهبا من المذاهب الحالية وبانتظار تأسيس مذاهب جديدة والثانية عشائرية بفرعيها السني والشيعي قابلة للتضاعف على اساس المتوالية الرياضية المعروفة .

ما اريد قوله ان دول العالم تتكتل لتحقيق اسواق اقتصادية واسعة ومزدهرة ونحن نتقسم ونسعى للتقسيم كل وفق دوافعه ولكن بكل اسف اكثر هذه الدوافع طائفية ومذهبية من دون الوعي بخطورة ما نفعله.

كان الحال في اوربا ابان حكم الكنائس مشابها الى حد ما قبل ظهور الدولة الوطنية وتبلور ملامحها او يشبه العصر الجاهلي قبل الاسلام ولكن بدل حكم العشيرة حكم الكنيسة ،قبل ان يوحد الاسلام جزيرة العرب تحت راية الاسلام الى عصرنا الحالي ،الذي يمكن ان نطلق عليه او نسميه عصر الاسلام "المتعدد" ب"طوائفه ومذاهبه" فاذا امنا بصدق بانه عصر الاسلام "المتعدد" لا عصر المذاهب الجامدة سنية او شيعية سيكون للاسلام شأن اخر بحركيته واختلاف رؤاه واجتهاداته وهذه محركات اساسية لعملية التطوير والتجديد ،اما المذاهب فانها لا يمكن ان تكون مجددة ،او ان تخلص من الطريق المسدود ،وستبقى على جمودها ،تراوح بمكانها ،لان التاريخ لا يمكن ان يرجع الى الوراء او ان يتقدم الى الامام على لون مذهبي واحد .. الى ان يـأتي اليوم الذي نتعلم فيه التعايش والعيش المشترك في وطن واحد .